كوفيد التاسع عشر


يا له مِن حادثٍ فظيع!...
"هل مات كل مَن في السيارة!؟"...
هكذا تساءل كل مَن رأى الحادث. لكن الإجابة... لا. لم يمت أحد، بل ان المرأة التي كانت تقود السيارة حامل، ولم يُصب الجنين بأذى!
نُقلت حياة إلى المستشفى بعد أن دخلت سيارتها في عامود كهرباء، وانقسمت نصفين!
في المستشفى كانت بحاجة لعملية قيصرية عاجلة.
استفاقت من التخدير وقالت "طفلي؟". فأجابت الطبيبة بابتسامة رقيقة "انه سليم".
وهكذا ولد سليم... إنسانٌ متهور كوالدته. كبر وهو يتحرش
بالموت.
إلى أن... واجه السيد كوفيد التاسع عشر. قابله بعد أن سخر من وجوده طويلاً، واعتبره مهزلة ونكتة لا جدوى مِن إضاعة الوقت بأخبارها. وكوفيد التاسع عشر، يراقب سليم من الزاوية وهو حانق، فكيف يجرؤ هذا الولد العاق على إنكار وجوده!؟ هو الذي تفوق على أخوته السارس والإيبولا وجميع عائلة التاجيات!

... وعندما طفح الكيل قرر أن يلقن سليم درساً قاسياً. ترك الزاوية ووقف قبالته، اكتشف سليم أن كائناً أشبه بالكرة يقف أمامه، فضجَّ بالضحك لمظهره... وقال: هل أنتَ هامبتي دامبتي؟*
فأجاب كوفيد بحنق: بل أنا كوفيد التاسع عشر.
خرخر سليم مِن شدة الضحك وأجاب: أضحكتني... الله يغربل إبليسكَ.
اتخذ كوفيد وضعية القتال وقال: هيا... نازلني.
فضحكَ سليم مجدداً وشخر وهرهر وأجاب: يا لكَ مِن مغرور... ألا تخاف أن أركلكَ فأرسلكَ إلى الشمس؟
فأجاب كوفيد: هيا... لا تكن جباناً... ألا تعتبر نفسكَ بطلاً؟...
فما يضركَ إن واجهتني.
فأجاب سليم بثقة: مع أنني مشغول ولا وقتَ لدي للعب... لكن
حسناً... نازلني.
لمسه سليم، فأمسك كوفيد التاسع عشر بخناقه، ووضع قدميه على رئتيه، ضاق نفس سليم، وقاوم وقاتل بيديه وقدميه... سالت دموعه من الإختناق... ارتفعت حرارته، وحاول بشتى الطرق أن يخلص نفسه من بين يدي هذه الكرة الشرسة. لكن!... لا فائدة.
شعرت حياة بمعاناة ولدها، وحاولت أن تساعده. لكن كوفيد ركلها بعيداً. فصرخت "من أنت وماذا تريد من ولدي؟"
فأجاب الكائن الفظيع: أنا كوفيد التاسع عشر... وولدكِ تحرش بي مراراًة وسخر مني، فلم أعد قادراً على السكوت.
حاول سليم أن يتكلم فخرجت من صدره حشرجة. بكت حياة ورجت "السيد كوفيد اللطيف" أن يتركَ ابنها.
نظر كوفيد إلى سليم وهو يصارع الرمق الأخير وقال: هل علمتَ من أنا؟... وما مدى قوتي؟
هز سليم برأسه... فأكمل كوفيد: هل ستوقف سخريتكَ مني؟
وافق سليم بإشارة من يده.
أرخى كوفيد قبضته عن سليم، وسمح له بالتنفس.


التقط سليم أنفاسه، وبدأ لونه الأزرق يعود إلى طبيعته البشرية.
فقال سليم يستعطف كوفيد التاسع عشر: والله لن أسخر منكَ مجدداً... بل لن أتحرش بكَ بعد الآن... وسأحذر رفاقي منك.
نفض كوفيد التاسع عشر يديه كمن انهى مهمة، وابتعد وهو يقول: حسناً... سأذهب الآن لمنازلة كل مَن هو على شاكلتك.



*هامبتي دامبتي: شخصية خيالية في الآداب العالمية، له شكل بيضة ويمشي على حائط لامتناهي.
هو رمز للشخص السمين الذي له شكل كرة.



 Image rights are reserved to the owner



حجر منزلي

زائرٌ غريبٌ حلَّ علينا. دون إذنٍ مسبقٍ أو مشورة. كوفيد التاسع عشر... أخطر وأثقل ضيفٍ حلَّ على شعوب الألفية الثالثة.
انتشر بسرعة البرق بين ظهراني حياتنا، أبعدنا عن الأحبة... عن العمل... عن الدراسة... عن كل تفاصيل الحياة التي كنا نعيشها.

... وهكذا اضطررنا للإنعزال في منازلنا، خاضعين طوعاً أو جبراً لما يُسمى... الحجر المنزلي.

أمضى يوسف أسبوعين في المنزل، مع أسرته التي اكتشف انه يجهل الكثير من التفاصيل عنها. اكتشف أولاده من جديد، وتعرَّف إلى طباعهم وشخصياتهم. جدد علاقته الحميمة بزوجته، شاركها تفاصيل كثيرة، تقرَّب منها وكأنه شابٌ يحوم حول فتاة!
وبعد أسبوعين من الحجر... تفاجأ انه بدأ يعشق هذه الصبية من جديد، لما تتمتع به من روح مرحة، طيبة، محبة، عطاء لا حدود، تفانٍ في العناية بالعائلة... وفي نهاية فترة الحجر... ابتسم في وجهها وقال "هل تتزوجينني!"... وضحكا معاً.

يقول المثل: كن خفيفاً أو خفف.
لكن السيد كوفيد التاسع عشر لم يكن ضيفاً خفيفاً، فزيارته طالت وطالت لتمضي الشهور وهو يستبد بالعباد، ويقلب حياتهم رأساً على عقب. والحجر المنزلي تكرر أكثر من مرة، وفي كل مرة كان يزداد الأمر قساوة. فالأولاد بسبب الملل أصبحوا أكثر تطلباً ومشاكسة. والأزواج بدؤا يتدخلون في شؤون المنزل والطبخ، ويمضون أوقاتهم بمناكفة الأولاد والزوجة. والزوجات مللن من بقاء الرجال في المنزل، فهم ينشرون الفوضى... يثيرون المشاكل بسبب ومن دون سبب، فقط لأنهم ملوا البقاء في المنزل.
و تمادى السيد كوفيد كثيراً، فلم يترك مجتمعاً يتنفس الصعداء في وجوده. مما اضطر الحكومة لاتخاذ قرار بإقفال البلد مجدداً مدة شهر!
نفخ يوسف صدره وقال: يا امرأة... حضري لي لائحة بما يلزم من أغراضٍ لفترة الإغلاق هذه.
فكتبت زوجته التالي "أريد الطلاق".
هذه المرة... لم يضحكا!




 Image rights are reserved to the owner


بعد الرحيل...


عزيزي آدم...
صاحب الطيف الأجمل...
الغائب/ الحاضر...
الذي هو في غيابه، أكثر حضوراً في روحي من الجميع.

على أنغام أغنية سيدة الطرب  و"فكروني"... أكتب لكَ رسالتي هذه.
كنت يافعة بالكاد بدأت أنوثتي تتفتح، سمعتُ إحداهنَّ تقول عني "أن (....) عندما تحب... ستسمع أغنية "سيرة الحب" لأم كلثوم". لكنني/لكننا... خيبنا سيرة الحب بفراقنا.
فأول ما سمعتُ من أغانٍ كانت فكروني... "فكروني ازاي... هو أنا نسيتك!"
لا لم أنسك... أبداً لم أنسك.
لعلكَ نمت أحياناً في أدراج الذاكرة، لكنني كنتُ سرعان ما أوقظكَ بقبلة على الجبين، فقد لأقول... اشتقتُ لك. كان ذلكَ بعد أن يئستُ من زيارة الشارع حيث تسكن، وقبل أن أعرف أن ما يصيبني من حين لآخر من حنين اسمه "اشتقتكَ"... لا اشتقتُ لك. اشتقتُ لكَ تقال لمن غاب هنيهاتٍ، لكنكَ الغائب/الحاضر الذي لا يفارقني أبداً.
الغائب/الحاضر الذي أبحث عنه، في كلِ رجلٍ يمرَّ من أمام حياتي.
فأينكَ يا آدم... تشققت شفاه زمني وهي تسألني... أينكَ!


عزيزي الغائب/الحاضر...
هذه آخر رسائلي إليك!
لا ليس قراراً بالتوقف عن الكتابة إليكَ، بل لأن كل همساتي القادمة ستكون... رسائلي إليكَ. فما قيل في رسائلي السابقة هو مجرد صورة أقدمها لكَ
لتعرف الأنثى التي اختفت منذ نيِّفٍ وثلاثينلكن قلبي العامر بالحنين، سيبقى على طول الزمن، يخبركَ أقاصيصه... ففي كل حنينٍ سأستحضر طيفكَ الأغلى، لأخبره ...وأخبره... وأخبره... إلى أن يمَّل الحنين وتنام عيونه الساهرة.
ولن أنام... لا لن أنام إلا وأنا على يقينٍ أنكَ تغفو في أحلامي... هناك حيث سأقبِّل جبين تعبكَ لأقول... اشتقتكَ.
... لن أتوقف عن انتظاركَ... وستبقى الوجوه بلا ملامح إلى أن يُشرق وجهكَ في عتم انتظاري.


عزيزي آدم...
صاحب الطيف الأجمل... انتظرك...
وإلى أن نلتقي...
أطلق سراح طيفك، لعلي ألقاه على قارعة صدفةٍ، هيأت لنا منذ الأزل متكأينِ من ورد... وقهوة لقاءٍ تنتظر مراهِقين بلغا خمسينهما، وما انطفأت نار الشباب في قلبيهما الأخضرين.



Images rights are reserved to their owners


ماذا لو؟...


عزيزي آدم...
صاحب الطيف الأجمل...
الغائب/ الحاضر... الذي هو في غيابه، أكثر حضوراً في روحي من الجميع.

تقول فيروز في أغنيتها من كلمات وألحان الأخوين رحباني:
سوا ربينا سوا مشينا
سوا قضينا ليالينا
معقول الفراق يمحي اسامينا
ونحنا سوا سوا ربينا

ماذا لو أننا "سوا ربينا"؟...
ماذا لو أن قدرنا جمعنا طفلين على طاولة واحدة، في تلك المدرسة العتيقة، التي قضيتُ فيها سنيَّ طفولتي؟... ماذا لو انكَ- يا رفيق الروح- كنتَ زميل مقعدٍ في جامعةٍ بنيتُ فيها أحلامي؟
أنا- ولعلكَ لن تعلم- لم أتزوج أبداً. فالرجال الذين عبروا من أمام حياتي، لم يكونوا بحجم الوطن الذي أبحث عنه. أجل يا عزيزي آدم... فالرجل/الحبيب بالنسبة لي هو وطن يجب أن يسكنني قبل أن أسكنه.
أما العشاق الذينَ التقيتهم، فقد كانوا مجرد هواة "جمع النساء"، غرامهم ملغوم بالكذب، ودروبهم كدروب أرياف العالم الثالث، دائماً تقودكَ إلى الهاوية.
منذ أن نقرتَ ذاكرتي، وأنا أسأل نفسي، هل أنتَ متزوج؟... هل أنتَ أب؟... كم عدد النساء اللواتي عبرنَّ في حياتك؟... هل تركت إحداهنَّ أثراً ما في روحك؟... هل تزوجتَ عن حب؟... أم...؟
هل تذكرني من حينٍ إلى آخر كما أذكرك؟ ويبقى السؤال الأكبر والأكثر وجعاً... هل الِّح على ذاكرتكَ الآن- بعد أن بلغنا خمسيننا- كما تلِّح أنتَ على ذاكرتي؟... فهل هي إشارة من القدر؟... أم هي مجرد دعابة سمجة من الزمن؟
ماذا لو أن الحرب المجنونة لم تفرقنا؟... ماذا لو أنها لم تشتعل!؟... لو أنها لم تشتعل!؟... هل كنا لنلتقي!؟
أجل كنا لنلتقي... ولكن بشكلٍ أكثر حضارةٍ مِن الوحشية التي مارسها عليَّ التهجير، حين أوجدني- طرفة عين من الزمن- في جواركَ ثم رمى بي إلى البعيد!... بعيد عنك وعن احتمال قصة حبٍ لم تكتمل فصولها. لأقضي العمر رهينة للانتظار... انتظار رجلٍ بحجم وطن. قد يكون أنتَ... أو قد تكون أنت أيضاً مجرد وهمٍ آخر، انتظره دون جدوى!.
لو أننا لم نفترق...
أخالنا قد أصبحنا حبيبين في أروقة الوطن، نناضل معاً من أجل رفع ركام العمرِ الذي دمرته مدافعهم، حيث اغتالوا طفولتنا وتركونا على قارعة القدر الأحمق نصارع كي نستمر على قيد الحياة!
لو أننا لم نفترق... أخالنا الآن- والكهولة باكراً طوقت شبابنا- يداً بيد نكافح الأحزان معاً... تسندني في أحزاني... وأساندكَ في جهادكَ الأكبر، وأنتَ تثبت لكل "ميليشياوي" انك أحق بالحياة في هذا الوطن منه، هو الذي باعه للشيطان مقابل منصبٍ لزعيمه!
لو أننا لم نفترق!...
الغصة في قلبي... والحنين يكفكف دموعه على قارعة الفراق.
فلو أننا لم نفترق لكنتَ الآن معي... نستقبل المساء معاً على شرفة لقاءاتنا، تؤنبني لأنني قد أسرفتُ في شرب القهوة، وأضربكَ على يدكَ كلما حاولت أن تشعل سيجارة... ونضحك ملىء الحنين ونحن نروي حكايات الزمن الجميل.


عزيزي آدم...
صاحب الطيف الأجمل...
آدم (ي)... انتظرك...
وإلى أن نلتقي...
أطلق سراح طيفك، لعلي ألقاه على قارعة صدفة، فأخبره سرَّ الوصول إليَّ.



Image rights are reserved to the owner

 

أنثى من هذا الزمن


عزيزي آدم...
صاحب الطيف الأجمل...
الغائب/ الحاضر...
الذي هو في غيابه، أكثر حضوراً في روحي من الجميع.

اليوم سأخبركَ عن نفسي، لعلنا إذا التقينا يوماً أن تعرف مَن أنا.
والعياذ بالله من كلمة "أنا".
ولدتُ ثائرة، اختبرني الزمن بجميع أنواع الحرائق، لكنني لم أُهزَم يوماً أو أستسلم وما زالت معاركنا مستمرة.
ثروتي في هذه الدنيا بضعة كتب تستقر في عقلي، ونبع حكايات
في خيالي لا ينضب.
أحزن لكنني لا ايأس...أكتئب لكنني لا أنتحر... أتعثر في الحياة
لكنني لا أقع، فأنا مثل الشجر سأموت واقفة، كي لا أمنح الزمن شرف الشماتة بي بعد طول عراكي معه. نجوتُ من الحرب... نجوتُ مشوهة الوجدان والروح، ككل أبناء جيلنا الذي عاصر تلك الحرب البائسة. انتهت (لتأخذ شكلاً آخر طبعاً) وقد بدأتُ دراستي الجامعية. دخلتُ إلى الجامعة، وأنا اعتقد أنني سأنهي دراستي وأنال شهادة تخولني دخول مجال العمل في اختصاصٍ أحببته واخترته. لكنني!... وكما قال الكبير "دريد لحام" في احد أعماله، "ارتطمتُ بالواقع" وكان الارتطام مدوياً.
فماذا كانت النتيجة؟
النتيجة "امرأة مثقفة" كما يحلو لأصدقائي أن يصفوني. والبطالة تاج إنسانيتي! 
وكي لا أطيل الشرح يكفي أن أقول لك أن سبب بطالتي المزمنة
أنني وعائلتي لسنا "تابع" لأي زعيم. وأنتَ كلبناني ستفهم بقية الحكاية كلها.

قبيلة نساءٍ أنا...
مَن عرفني. اعتقد انه عرفني... لكنه لم يعرف إلا واحدة من نساء القبيلة- التي سمحتُ لها بالظهور. أما بقية القبيلة، فما
زالت بانتظار رجلٍ له مع رجاحة العقل ورهافة الاحساس باعٌ
طويل، ليستطيع أن يحتوي بقلبه... نساء القبيلة. لعله أنت!... أو لعلكَ لستَ هو!... مَن يدري!.
كم أتمنى لو أنني أعرف، كيف مرَّت سنواتك؟... ما هو تخصصك؟... هل دخلتَ الجامعة؟... هل تعمل؟... وما هو عملك؟... هل تحب الكتب مثلي؟... هل تهوى القراءة كما أهواها أنا؟... هل لديكَ شغفٌ ما تمارسه في أوقاتكَ الخاصة، كما أمارس أنا شغف الكتابة؟...
ألف سؤالٍ وسؤال...


لكن!..
عزيزي آدم...
صاحب الطيف الأجمل...
آدم (ي)... انتظرك...
وإلى أن نلتقي...
أطلق سراح طيفك، لعلي ألقاه على قارعة صدفة، فأخبره سرَّ الوصول إليَّ.



Image rights are reserved to the owner

سؤال


عزيزي آدم...
صاحب الطيف الأجمل...
الغائب/ الحاضر... الذي هو في غيابه،
أكثر حضوراً في روحي من الجميع.

لعلك يا عزيزي قد نلتَ بعضاً من حقوقكَ في هذا البلد. الحقوق التي يخالها الكثير من شبابنا المقهور... أحلاماً.
اسمع هذه الحكاية لتفهم ما أعني.
يحكى أن شاباً عربياً ربطته صداقة بشابٍ غربي، فسأله هذا الأخير "ما هي أحلامكَ يا صديقي؟"... فأجاب الشاب العربي "حلمي عملٌ يناسبني ومنزلٌ لأتزوج ويكون لي عائلة"... فصرخ الشاب الغربي مستهجناً "لكن!... هذه حقوقك وأنا أسألكَ عن أحلامك!!!"

إذن يا عزيزي آدم... هل نلتَ بعضاً من حقوقكَ في هذا الوطن
المتهالك؟.
لعلكَ الآن تعمل فيما يحقق لكَ طموحاتك. ولعلك متزوجٌ ولكَ
عائلة متحابة. أم أنكَ مهاجرٌ ككثير من أبناء هذا الوطن؟... غارقٌ في الغربة، يوجعكَ الحنين لوطنٍ نبذكَ ولم يعطكَ حقكَ في الحياة والعيش؟ إن كنتَ مهاجراً، فهذا يُفسر الكثير. لعل محاسن الصُدف لم تجمعنا يوماً لأنكَ مغترب!

هو سؤالٌ بحجم الحيرة التي أحملها في قلبي.
فكما أخبرتكَ سابقاً انني أبحث عن وجهك بين الوجوه، لكن!...
لم أصادف يوماً وجهاً يحمل ملامحك.
أجالس طيفكَ الجميل... أخبره عن لؤم هذا الزمن، الذي حولني
من الفتاة المغناج التي عرفتها، إلى إمرأة منهكة تحت أحمال الأحزان.
أرسم ابتسامة رضا على ملامح متعبة... كملامح كل إنسانٍ في هذا الوطن المنكوب، بأمراء طوائف متعفني الأرواح والضمائر، احتلوا كراسي الزعامات، وتكلموا باسم المواطنين المكمومة أفواههم، منذ آخر طلقة مدفعٍ أطلقوها، ليضعوا حداً لمهزلة إسمها... الحرب الأهلية!... وأهل لبنان منها براء.
يا عزيزي آدم...
لقد حولني زمن المواجع هذا... بعد أن اغتال شبابي، إلى أنثى
مثقلة بحقوقٍ مسلوبة، وبأحلامٍ لم تتحقق. وأخرى مستحيلة... أوجعها، لقائي بك.


عزيزي آدم...
صاحب الطيف الأجمل...
آدم (ي)... انتظرك...
وإلى أن نلتقي...
أطلق سراح طيفك، لعلي ألقاه على قارعة صدفة، فأخبره سرَّ
الوصول إليَّ.



Image rights are reserved to the owner

أينكَ؟


عزيزي آدم...

صاحب الطيف الأجمل...

الغائب/ الحاضر...

الذي هو في غيابه أكثر حضوراً  في

روحي أكثر حضوراً من الجميع.

يوم اختفيتُ من حياتك، كنتُ منهكة

تحت ثقل الرحيل. 

... رحلتُ مع العائلة- مذعِنة- لا 

أجرؤ على البوح بوجودك في روحي.

مرَّ العمر...

وما زلتُ أبحث بين الوجوه، عن رأسٍ يحمل وجهك، لكن!...

لا وجه يحمل ملامحك.

أجلس على قارعة الصُدف، انتظر طيفكَ الهارب، المتجول 

بين حنايا أيامي. أشرب قهوتي وحيدة... وفي وحدتي أناديك... 

بل أستجديكَ من الزمن.


فأين أنت؟...

أين كنت بين طلابِ جامعة ارتدتها؟... أينكَ من رجالٍ

مروا امام حياتي؟... وما زالوا! أينكَ من رجالٍ عرفتهم، 

ورجال عرفوني وما عرفتهم؟... أينكَ في هذا الوطن الذي 

عبَّدتُ طرقاته بنظراتٍ باحثة عنكَ في كل الوجوه!؟. أينكَ من 

سنوات تجوالي وبحثي؟... أينكَ من سنوات انتظاري لك؟... 


عزيزي آدم... 

صاحب الطيف الأجمل...

آدم (ي)... انتظرك...

وإلى أن نلتقي... 

أطلق سراح طيفك، لعلي ألقاه على قارعة صدفة، فأخبره 

كيف تجدني.




Image rights are reserved to the owner


سنواتي العجاف


عزيزي آدم...
صاحب الطيف الأجمل...
الغائب/ الحاضر... الذي هو في غيابه، أكثر حضوراً في روحي من الجميع. 

عزيزي...
وكما أخبرتكَ سابقاً، لقد مرَّت سنواتي عجافاً، كنتَ خلالها تقفز لحظاتٍ إلى
ذاكرتي... فابتسم، وأكمل الدرب.
لكنكَ... وبطرفة عينٍ من ذاكرتي المثقلة بالآلام والأحزان، أشرقتَ في عتمتها كأجمل وأبهى ضوءٍ، أخفته عن بصيرتي، ذكريات وطنٍ منكوبٍ بشياطينه وقديسيه!

لعل العمر الحافل بالتناقضات الذي عشته، أو لعلها أزمة منتصف العمر، هي السبب في دفق الذكريات هذا، الذي يجتاح نومي ويقظتي... منذ أن زلزتَ بطيفكَ هدوء ذاكرتي وذكرياتي.
فهل يرضي غرور رجولتك، إن قلتُ أنكَ في غيابكَ أكثر حضوراً في روحي، من الجميع!. وأنني كلما أردتُ أن أهرب من بشاعة الغرباء، أغمضتُ عينيَّ وامتطيتُ طائر الشوق ليأخذني إلى شرفتك... هناكَ حيث التقينا... مراهقَين مُرهَقين من صوت المدافع والرصاص!
وأن نبضي يرسل إليكَ كل صباحٍ ومساء، رسائل مع الريح.

إذن يا عزيزي آدم...
يا صاحب الطيف الأجمل...
كلما رأيتَ ورقة بيضاء، انتظرني على قارعتها. لأنني- وأنا متسلحة بأبجديتي المتواضعة ومحبرتي التي استعارت عتمها من ليلٍ أسود فرَّق بيننا- سأرسل لكَ رسالةً أسرد عليكَ فيها، حكاياتي... وكيف مضى ويمضي هذا العمر، ونجمك آفلٌ عن سهادي.



Image rights are reserved to the owner

الندم... وأنا


لنفرض أن اسمي ليلى...
وليلى هنا ليست معشوقة قيسٍ... وجنونه. بل ليلى البريئة، ذات الرداء الأحمر، التي اعتقدتْ أن جميع كائنات الغابة... أصدقاؤها.

تفتح وعي مشاعرها على... لنسمه آدم.
لماذا آدم؟
لأنه بالنسبة لليلى، مجرد آدم عرفته ذات براءةٍ، منذ ثلاثين ونيِّف من السنوات العجاف... ولأنها لا تدري كيف أصبح آدم (ها)، فمن هو؟... وكيف هو؟... وأين هو؟... فهو يمكن- في زمن الغرائب هذا- أن يكون رجلاً... أو مجرد ذكر. قديسٌ... أو زير نساء... مثقفٌ له مكانته، كيانه، مركزه وشخصيته المتميزة. أو يمكن أن يكون جاهلاً من شذاذ الآفاق، يتبع زعيماً ما كأي خروف يتبع راعيه.
أو... أو... أو...

ولو أردنا أن نعدد اختلافات هذه ال "أو" لما انتهينا ونحن نخط مجلدات ومجلدات.
لذا فلنقبل آدم كما يمكن أن يكون إنسان هذا العصر، بجميع أهوائه...أماله وآلامه وتناقضاته... هزائمه وانكساراته... انتصاراته ونجاحاته... ثباته أو تغيراته.
هو بالنسبة لليلى التي هي أنا... مجرد آدم عَرَفته ذات زمنٍ مضى. عرفته "حب أول" شكَّل خارطة أنوثتها.

وعلى أنغام "هذه ليلتي"... و"سوف تلهو بنا الحياة... وتسخر"
يُقلع بنا فلك هذه الملهاة الساخرة حدَّ الوجع، لحكاية بدأتْ ذات معجزةِ براءة في خضم الحرب الأهلية في وطني المنقسم دائماً على نفسه... لبنان.

♥♫♥

كعاصفة برقٍ مررتَ في حياتي. فأضأت زوايا طفولتي العابقة برائحة البارود والنار، كما يضيء البرق حنايا المكان.
طلعتَ عليَّ كبدرٍ في شرفة مقابلةٍ لشرفةِ منزلي.
هكذا رأيتكَ وقتها، قمراً ينير عتم الخوف. فتعلقتُ بك... وتعلقتَ بي... تبادلنا النظرات... والابتسامات، إلى أن سرقنا هنيهاتٍ تجمعنا في لقاءٍ سريع، بعيداً عن أعين الرقيب.
لقاءٌ بريء... مبتور... خائف... متوجس من تجربة أولى... وقلبٌ عامرٌ بالفرح لأن لقاء الأحبة أخيراً... قد حصل.
والنتيجة؟... اسمان من دون كنية... تكبرني بعامِ... وأصغركَ باِندفاع.

... فرقتنا الأيام لتنسحب "أنت" إلى غياهب الذاكرة. كحلمٍ عشته هنيهات فأيقظني منه صوت المدافع، لأجدني بذاكرة فارغة من باقي الحكاية.
أكملتُ الدرب وحدي، وفي أعمق أعماقي "حكاية" مراهِقة أحبت يوماً ابن الجيران، ففرقت الحرب بينهما، كما لطالما فعلت بكل شيء جميل.

اليوم وبعد أزمنة مضت على لقائنا البريء... التقيته!، فارسٌ صادف خريفي وهو في ريعان الشباب، ليعبثَ بذاكرتي الهرمة. "هو" الذي يحمل في عطره، عطرَ "منطقة" لجأنا إليها (أهلي وأنا) يوماً هرباً من الحرب، وتركناها بعد "هدنة" سرعان ما أسلمت الروح... كعادة تلك الحرب!

وها "هو" بعد ثلاثين ونيِّف، يعيدكَ إلى ذاكرتي بكامل تفاصيلك.
أعوامٌ عجافٌ مرَّت، كنتَ خلالها تقفز لحظاتٍ إلى ذاكرتي... فابتسم، وأكمل الدرب.
فها هو الآن... لقاءٌ عابرٌ معه "هو"... يعيد إليَّ ذكرى ابتسامة لطالما غيبتها الأيام عن ذاكرتي. وليزرع في أعماقي ندم... لأنني- وعلى مرِّ أعوامي الحافلة بآلاف الحكايا- لم أحاول مرة أن أستطلع فيها خبرك.

واليوم أسأل نفسي، لماذا لم أخبرك بعنواني الجديد؟... باسم مدرستي؟... بكنيتي؟... آهٍ الكنية. لو أنني أعرف كنيتك فقط، لربما هان عليَّ اليوم- في زمن الانترنت- أن أبحث عنك.
فهل تحاول أنتَ أيضاً، وبعد نيِّفٍ وثلاثين على فراقنا الغامض أن تبحث عني؟... هل تذكرني؟... هل؟... وهل؟...

يااااااااااااااااه يا وجع الأحلام...
أنام... فتحملني أحلامي إلى منزلي القديم... أحاول أن أتبين شرفتك... نافذتك... فتتشابه عليَّ النوافذ والشرفات... أبحث وأبحث. وفي نوم آخر أجدكَ تبحث عني!... لكنكَ لا تراني... أحاول الوصول إليكَ فتمنعني المدافع والركام... فأستيقظ بوجع وحنين.
فأين "أنت" اليوم؟... وأين أجدك؟... وهل من سبيلٍ لأن ألتقيك؟... كيف أصبحتْ؟... مَن أصبحتْ؟... تزوجتْ؟... أنجبتْ؟... ؟... ؟... ؟... ؟...؟...
لماذا لم أحاول طوال تلك الأعوام أن أتواصل معك؟... لماذا؟... وتبقى أوجع "لماذا" في أيامي هي... لماذا الآن وبعد طول هذا الغياب، تعود إلى ذاكرتي بهذا الزخم... وهذا المرار... وهذا الندم على صمتٍ مضى.
آدم... زمنٌ من وجع... وقافلة عشاق. وحكايتنا سرٌّ في غياهب القلب... والعمر ينتظركَ فجراً أخفاه ألف عتم غياب.
آدم!... أتراكَ تذكرني كما أذكرك!؟
تحلم بي... كما أحلم بك!؟
أتبحث عني!؟... أرجوكَ اِبحث عني.

آدم (ي)... 
أضعتُكَ... فجدني.




Images rights are reserved to their owners


في حياتي القادمة


في حياتي القادمة...
لن أكون... أنا

سأكون وردة بريَّة
على حافة صخرةٍ
في قرية جنوبية وادعة
تلونت بدماء الشهداء.

سيقطفني طفلٌ
في مواسم الفرح
ليهديني إلى أمه
تضعني في ماء الحياة
تحت صورة الشهيد
سأتنشق عطر الشهادة
وأينعُ أحمراً
يرسم دروب الأجيال
الطالعة...
من مدنِ التعسف والظلم.


في حياتي القادمة...
لن أكون... أنا

سأكون عكاز عجوزٍ
ترك الزمن قبلاته
أخاديد على وجنتيها
ورسم التعب
خطوط آلاف المصاعب
على حرير يديها

سأسند تعبها
سأهش الذبول
عن زهور ذكرياتها
وسأهديها طوقاً من حنين.




في حياتي القادمة...
لن أكون... أنا

سأكون وردة
يتبادلها العشاق
في ليالي الشغف.
وإكليل حبٍ
على ضريحِ والدٍ
أفنى شبابه
على نية بناء أجيالٍ أرقى.


في حياتي القادمة...
لن أكون... أنا

سأكون عصفوراً
يغرِّد على نوافذ الأمل
تراتيل حبٍ وصلاة
تؤنس صباحات الحزانى
الذينَ ما استفاقت بعدُ
شموس لقاءاتهم بالحبيب.


في حياتي القادمة...
لن أكون... أنا

سأكون زجاجة عطرٍ
ألاحق بالشذا
شبابكَ المتوهج
فأعبق بك...
وأهمس في حنايا روحكَ
ما نسيتكَ...
يا حزن الأيام الغابرة
ما نسيتكَ
أيها الفارس الذي أتى
على صهوة جوادٍ بطيء
أتاني... بعد أن جدَّ عليَّ الرحيل.





Images rights are reserved to their owners






برهة من لقاء




أحببتكَ بدهشةِ طفلةٍ
أمام قوس قزح.


بشغف مراهقةٍ
تقرأ قصيدة حب.

بعشق أنثى
لمولدها الأول.

بوفاء زوجة...
أخذت الحرب حبيبها.

بلهفةِ غريبٍ خائفٍ في العتم
طلعت عليه أول خيوط الفجر.

برهة من لقاء...
كنتَ قوس قزح
على فقاعة صابون
وسرعان ما انطفأ بريقه!



 Image rights are reserved to the owner



شهرزاد عصرية



شهرزاد الحكاية أنا...
فــــــــأْمُر
سيافكَ يا شهريار
أن يُغمد سيفه.








 Image rights are reserved to the owner


وجعي أنـــــــــا



هل تعرف ما هو الوجع؟



الوجع أن تأتي متأخراً



تتأبط المستحيل...



لتقف على عتبة الحب.

وبابي موصدٌ...


بخمسين خريفاً من الخيبات.



 Image rights are reserved to the owner


زمن بُعــــدك


كل عبارات عشقكَ
هي لاصق يوضع بعنايةٍ
على جرحي المفتوح.

لكن...
الكلمات... مجرد حروف
فأينكَ... في زمن جراحاتي؟!






 Image rights are reserved to the owner




هاتف منتصف الليل


الثانية عشرة منتصف الليل، وقبل أن أغلق هاتفي لأخلد إلى النوم، وإذ به يرن بطريقة أفزعتني... لا بل أفجعتني، فقد خُيّل لي للحظات، أن وراء رنينه في هذا الوقت من الليل، كارثة ما!
فتحتُ الخط متهيبة، وقلت: الو...
وإذ بالخط يُغلق في وجهي.
أطفأته ولجأتُ إلى السرير.
أطلت إغفاءة مغلفة بوسوسة شيطانية، ماذا وراء هذا الهاتف الصامت!؟ فهل هي صبية تهاتف حبيبها؟... فأجابها صوت امرأة! حسناً ماذا لو اعتقدت أن حبيبها يخونها!؟... سيتشاجران، وقد ينفصلان بسبب همسة "الو".
ماذا لو كانت سيدة ما تهاتف زوجها الذي تأخر في العودة، يا إلهي... ستعتقد أن زوجها يخونها!... هل تطلب الطلاق منه بسبب همسة "الو"!؟ هل أحاول الاتصال لأتأكد وأنفي التهمة عن رجلين لا أعرفهما؟... لكن ماذا لو اعتقدت المرأة أن عشيقة زوجها، تحاول أن تعيد الاتصال به!؟
لا... لن أخاطر، لأزيد طين الشك بللاً في عقل أنثى متلهفة على حبيبها، أو عقل زوجة قلقة لتأخر زوجها.
حسناً... أغمضي عينيكِ يا هذه، ولا داعي لكل هذه الهواجس، انها مجرد رنة هاتف.
وقبل أن أغفو مجدداً، طرق الوسواس باب عقلي وهو يبتسم بخبث شيطاني، ماذا لو كانت هذه استغاثة إنسانٍ ما، قد هاجمه مجرم، وها هو قد قتله قبل أن يُطلق نداء الاستغاثة!!!؟
يا إلهي هل أتصل بالقوى الأمنية؟...
لا... سيعتقدونني مجنونة. وغداً صباحاً حين يكتشفون الجريمة، سيجدون رقم هاتفي مسجلٌ كآخر اتصال!! فبماذا سأبرر اتصالي في هذا الوقت برجل- أو امرأة- لا أعرفه/ها!؟
وإذا قلتُ الحقيقة فهل يصدقونني!؟
وكلما حاولتُ أن أبعد الأفكار عن رأسي، كانت تهاجمني المخاوف والهواجس، فقضيتُ ليلي بين براثن الأرق والقلق، وأنا أضع ألف سيناريو يُفسر هذا الهاتف.

يبدو أنني أخيراً غفوت، أو لعله أغمي عليَّ من طول السهر، فقد فتحتُ عينيَّ لأجد أن الساعة قد تجاوزت التاسعة صباحاً بدقائق.
انتصبتُ جالسة في سريري، وقد تذكرتُ ما حصل البارحة.
فتحتُ هاتفي بيد ترتجف، وكأنه قنبلة موقوتة ستنفجر في وجهي.
بدأت الرسائل ترن من جميع جهات مواقع التواصل الاجتماعية. إلى أن وصلتني رسالة على "الواتساب"، لفتني انها من رقم أجهل صاحبه. كانت رسالة طويلة نوعاً ما، قرأتها وأدرينالين القلق في دمي ينخفض رويداً... رويداً...
"أعزائي أصحاب هذه الأرقام...
اكتشفنا اليوم صباحاً أن طفلنا ذو السنوات الخمس قد لعب بهاتف والده ليلاً واتصل بالعديد من الأرقام. ولأن توقيت الاتصالات كان بعد منتصف الليل، وهو موعد نوم الكثيرين، فيهمنا نحن والديّ الطفل أن نستسمحكم عذراً على الإزعاج الذي حصل. سامحونا رجاءً".
تنفستُ الصعداء، وضحكتُ بهستيريا  "رنة هاتف" تتسبب بليلٍ طويل من الأرق والقلق.





 Image rights are reserved to the owner