ليلى والذئب في الغابةِ الإفتراضية


كان ياما كان في سالف العصر والزمان، في الغابة البعيدة كان يختفي بين الأشجار كوخٌ متواضعٌ تعيش فيه عائلة راضية قانعة بما لديها من سماء صافية وخضرة ومياه، وسعيدة بطفلتها البريئة ليلى، المحاطة بقلبِ أبوين يعشقانها ويحميانها من أي نسمة عابرة، وقد ربياها على المحبة والسلام مع محيطها من طير وشجر وبشر. ولم يخطر لهما يوماً أن يخبراها عن بشاعات تتجوّل في الجوار. فهي طفلة بريئة وسنواتها القليلة لن تستوعب موضوعاً شائكاً كهذا.

بلغت ليلى مراهقتها بسرعة فائقة، كمثل جميع الفتيات الصغيرات، اللواتي سرعان ما ينضجنَّ جسدياً، في حين أن نموهنَّ الفكري ما زال يمشي الهوينى.
يوم بلغتْ الخامسة عشر، أهدتها والدتها رداءً أحمر اللون. وأرسلتها الى آخر الغابة حيث تقطن جدتها العجوز. بعد أن حذَّرتها مِن التحدث مع الغرباء ومِن الذئب المكار!
ولكن!... ولأن الذئب جائعٌ دائماً، فإنه لا يمكن أن يتركَ صبية برداء أحمر تمرّ بسلام. فقطع عليها الطريق وهو يسبل لها عينيه ببراءة حملٍ وديع. ضحكت ليلى بسنيِّ طفولتها البريئة، وسألته "مَن تكون أنتَ يا صديقي؟" فأجابها بابتسامته الظافرة، "أنا صديقكِ الجديد!" لكنها رفضت التحدث معه لأن والدتها حذرتها من الغرباء ومن الذئب المكار! فضحك الذئب في سرِّه وأجاب "ولكنني صديقكِ وسوف أحميكِ من الذئب".
وهكذا صدقته ليلى البريئة الساذجة، وأخبرته عن وجهتها إلى كوخ جدتها في آخر الغابة، كي توصل لها ما في السلة من طعام شهي.
جعلها الذئب بمكرِهِ تذهب من الدرب البعيدة، وذهب هو نحو كوخ الجدة من أقرب الدروب. حين وصلت ليلى فوجئتْ بالتغيرات الفظيعة على ملامح جدتها! وسرعان ما اكتشفت أنها ليست سوى الذئب المكار، الذي أكل الجدة كي يخلو له الجو ويستطيع افتراس ليلى دون إزعاج. حضر الصياد على صراخ ليلى، فقتل الذئب وأخرج الجدة من جوفه.
هكذا تعلمت ليلى درسها الأهم في الحياة، وهو أن لا تأمَنَ على نفسها في الغابة لا من حيوان ولا طير ولا شجر ولا بشر!

... وأتى حينٌ من الدهر على الغابة الخضراء الجميلة، أصبحتْ فيه خراباً تحت عجلات آليات التغيير والتطوير، بحيث بُنيت من أخشاب أشجارها وأحجار صخورها غابة إسمنتية، في كل زاوية منها غابة افتراضية! هناك حيث تكثر الأقنعة، ويكثر الكذب والنفاق.
ولأن ليلى الشابة الناضجة لم تنسَ بعدُ حادثة الذئب في الغابة القديمة، فقد قررتْ أن تتماهى مع الغابة الجديدة، وأن ترتدي أقنعتها الخاص التي تجعلها تخدع الذئب هي هذه المرةـ بكل ما وضعه الله فيها من دهاءٍ وإغواء وإغراء لتنتقم لشرفها ولشرف كل فتاة ذات رداءٍ أحمر، حاول يوماً الذئب أن يفترسها.
وأصبحتْ ليلى ذئبه تخدع الجميع بفنون إغوائها وزخرفة أقنعتها.


وهكذا... بدأتْ في الغابة الافتراضية لعبة الافتراس المتبادل بينها وبين الذئب، والفوز كان دائماً حليف الأذكى في رواية حكاياته الرومانسية والأسرع في نسج خيوط اللعبة والأدهى في فن الإغواء. والضحية دائماً كانت القلوبُ النقية الصافية، التي ما أرادتْ من الغابة سوى أنبل الأهداف وأجملها.








Images rights are reserved to their owners