كرنفال الموت


تأخذني الحرب من يدي

إلى كرنفالِ الموت

أرى شياطين ترقص

فوق أشلاء الأطفال...

أزأر كلبؤة

تدافع عن صغارها.



أرفع راية الغضب

أتمسك بحبلِ سرَّتي

لعله يعيدني إلى رحم أمي

يقطعه أبناء ليليث*



أتساقط أشلاءً

من قهرٍ ودماء

يرفع العدو كؤوساً

مترعة بدمي

ويشربون نخب موتي.



تحت الأنقاض

ذرةٌ من هشيم رحمي

ينفخ الله فيها من روحه

فألدُ... مقاوم.



في كرنفال الموت

تتناسل الدماء

ليطلع من أشلائنا

ألفُ... ألف مقاوم.





* ليليث: شيطانة ترافق الريح والعواصف حسب أساطير بلاد الرافدين، وأُعتِقُد أنها تحمل المرض والموت. تظهر ليليث في المعارف اليهودية باعتبارها شيطان الليل، وكبومة نائحة في طبعة الكتاب المقدس.



Image rights are reserved to their owners

جنون


أترصَّده منذ أسابيع، وهو في عزلته متقوقع على نفسه، ولا يعيرني انتباهاً. لجأتُ إلى هذه القرية الوادعة منذ حوالي شهرين، بعد نصيحة صديقي الناشر بأن أسافر أو أبتعد عن المدينة، لعلني أجد حلاً لما أسميه ب "حبسة" الكاتب. فمنذ مدةٍ وقلمي عقيم، توقفتُ في منتصف الرواية التي أؤلفها... نضبت أفكاري!
وإلهامي... أصبح حبيبة صعبة المنال!

لجأتُ إلى قريةٍ نائية في أقاصي الوطن، بالكاد يبلغ تعداد سكانها المائة شخص، قرية عجائز لا شباب، لعل أصغرهم في الستين أو السبعين من عمره.
بدأتُ ألاحظ مروره وهو يحادث نفسه!

سألتُ عنه، فأخبروني أنه "مجنون" ظهر في القرية منذ عقودٍ طويلة، يعيش في عزلة، لا يقترب من أحد، ولا يؤذي أحد.
قررتُ أن أعرف سره.
لا... ليس تطفلاً، لكنه فضول الكاتب الذي يعشق الحكاياتِ وفك أزرار أسرارها.


تبنيتُ عادة الجلوس فوق صخرة ملساء في أٌقرب نقطة من كوخه، حيث لا بد أن يراني. كنتُ أفتح اللابتوب لأوهمه أنني أكتب... أتكلم بصوتٍ عالٍ وأتناقش مع نفسي وأبتكر قصصاً عجيبة بهدف لفت انتباهه.
مضى الشهر وأنا على هذه الحال. إلى أن...

قررتُ أن أتصرف بجنون... لعل وعسى.
فتحتُ اللابتوب على صورة امرأة وبدأتُ أبكي وأنشج:
لماذا؟... لماذا خنتني مع أقرب أصدقائي؟... يا لكِ من عاهرة أيتها الحبيبة...

وأنا على هذه الحال أبكي وأندب حظي، فإذا به يحضر! نظر إليَّ كما لو أنه ينظر إلى جرو جريح.
مسحتُ "دموع التماسيح" عن وجنتي، وأنا أحاول إخفاء فرحتي بحضوره.
جلس إلى جانبي بصمت. فقلتُ له وأنا أشير إلى الصورة: الخائنة لقد هجرتني بعد أن أخذت أموالي... خانتني مع أقرب صديقٍ لي.
نظر إليَّ وفي عينيه جلمود صخر وقال: اهدأ... هل ستولول من أجل سراب!!
فتشجعتُ وسألته: هل عرفتَ الحب يوماً؟...
أجاب: مصيبتكم أنتم الشباب أنكم تعتقدون أن علاقاتكم الغرامية هي محور الحياة... ومحور المصائب...
فقلتُ: أليست كذلك؟
نفخ ضجراً وقال: ما هي مهنتك؟
قلتُ: كاتب... أحاول أن أكتب روايتي الثالثة.
تأملني باهتمام، ثم قال: هل تريد أن تسمع قصتي؟
أجبتُ بحماس: طبعاً... طبعاً...
لكنني استدركتُ الموقف بسبب النظرة التي رمقني بها، وقلت: أقصد إن كنت لا تمانع أن ترويها لي.
فقال: أعرف انكَ فضولي، وأنكَ تريد لفت انتباهي... الآن عرفتُ هدفك، وسوف أمنحك ما تريده... شرط أن تغادر دون عودة عندما أنهي حكايتي.
أجبتُ كولدٍ مطيع: أجل... أجل... كما تريد.
قال بحدة: أَقسِم على أن تختفي بعد سماع قصتي.
رفعتُ يدي وقلت: أقسم أن أختفي بعد أن تنهي قصتك.
فقال موضحاً: أخبركَ بقصتي كي تكتب عن الحرب، يجب أن تقول أن لا منتصر في الحرب، الجميع قتلى... الجميع ضحايا... الجميع متوحش... والجميع قاتل.
نحن لا نبني وطناً بشن حرب، فالحرب تدمير للبشر قبل الحجر. الحرب تخلفنا مشوهين نفسياً، معطوبي الآمال والأحلام... تميتُ فينا العزيمة والإصرار، وتختزل طموحاتنا، فنصبح مجرد كائناتٍ تبحث عن هويتها وجدوى وجودها!

لم أفه بكلمة! خوفٌ ما ورهبة تسربت إلى روحي بعد كلامه.
زفر بعمق وأدار لي ظهره، ثم قال وهو ينظر إلى البعيد: أثناء ما أسموه "الحرب الأهلية" في لبنان، كنتُ حدثاً ما كاد شاربه يخط في وجهه، حقنونا نحن الشباب اليافع بسُم اسمه الآخر، الآخر يكرهك... الآخر يحقد عليك... الآخر يريد أن يقتلك... الآخر يعمل من أصل مصلحته لا مصلحة الوطن... الوطن لنا... الآخر يرهن الوطن لمصلحة الغرباء... الآخر... الآخر...

ثار الشيطان في دمِ حماسنا، فحملنا السلاح في وجه آخر، لم نكن نعرف عنه أي شيء! بل لم نكن نعلم من هو هذا الآخر!


ذات معركةٍ حامية الوطيس بيننا وبين "الآخر"، جاء مَن يخبرني بأن الآخر قد قصف منطقة سكني... وأن جميع أفراد عائلتي قد قتلوا!
كل ما أعيه بعدها أنني لحظة وصلتُ إلى منزلي طالعني وجه شقيقتي الصغيرة ميتةٌ وفي عينيها كل الرعب.

قررتُ أن أنتقم!...
اقتحمنا منطقةٍ يسكنها الآخر. كنا جحافل متوحشة، متعطشة للدماء انتقاماً.

ركلتُ باب منزلٍ وأنا أرفع سلاحي، طالعني أول ما طالعني صبيةٍ تحمل رضيعاً، تصرخ وتقول "بترجاك ما تقتلنا... بترجاك ما تقتلنا".
صفعتها فطرحتها أرضاً، فتدحرج الطفل أمامها ولم ينبث ببنت شفة، لعله مات أو أغمي عليه من قوة السقطة...
كنتُ أريد انتقاماً يليق بقتل شقيقتي المدللة، مزقتُ ملابسها وحاولت اغتصابها قبل أن أقتلها. كانت تصرخ وتتلوى... تشتمني... تلعنني... وتلعن الحرب وأربابها...
فجأة... تمثل شبح شقيقتي الميتة فوق رأس الضحية، تنضح دماً من جميع أنحاء جسدها، تنظر إليَّ برعب وتصرخ... لا... لا...
وقفتُ مذهولاً ومصعوقاً من هول المشهد، ماذا تريد أن تقول شقيقتي!؟
وبلمح البصر، دخل رفيق لي وأطلق النار على الصبية فأرداها قتيلة!



عندما نظرتُ إلى وجهها، كانت ملامحها ملامح شقيقتي، عيناها تنظر برعب ودمها يفور من رأسها... أقسم بالله أنني سمعتُ صوت شقيقتي يصرخ "عليك اللعنة... عليك اللعنة".

فررتُ من المكان راكضاً... ركضتُ مدة يومٍ كامل أو لعله عامٌ، لا أدري. كل ما أدريه هو أنني وجدتُ نفسي ممدداً تحت شجرةٍ وأكاد أموت من شدة الحمى.

نجوت... للأسف نجوت لا أدري كيف حصل ذلك؟ ربما يريد الله أن يعاقبني بأن أبقاني حياً. ومنذ أن استعدتُ وعيي وأنا أحاول أن أكفر عن ذنبي بأن أرجو شقيقتي وأقسم عليها بما تعبد أن تصفح عني، لعل الله يقبل توبتي وندمي على ما أقدمتُ عليه.
لكنها ما زالت ممتنعة عن زيارتي... وما زال صوت لعناتها يلاحقني في كل مكان.


أعتقد أن ما سمعته كان نشيج بكائه، لكنه سرعان ما اختفى في الظلام قبل أن أقول شيئاً.
كل ما خطر في ذهني هو مقولة بول فاليري "الحرب مجزرة تدور بين أناس لا يعرفون بعضهم البعض لحساب آخرين يعرفون بعضهم البعض ولا يقتلون بعضهم البعض".

نفذتُ ما طلبه مني، غادرتُ المكان ثم غادرتُ القرية، وقد صممتُ أن أكتب رواية عن مجنونٍ يروي مآسي الحرب وبشاعاتها، بكل ما في العقل من منطق.






Images rights
1- Jaxson Pohlman Photography
2- Guilty Man- Vector Stock
3- Sneakerhead- track76.blogspot.com
4- Amanda Cass
5- luca leung








 

ساعي البريد


لطيف ساعي البريد... لطيفٌ ساعي البريد.
كان لطيف ابن الحي الشعبي، في زمن سابق على تكنولوجيا الأجهزة الذكية، يعمل ساعي بريد، مشهودٌ له لطفه ومحبته للجميع.

اعتاد لطيف أن يزور حبيبة التي يعشقها، رغم علمه أنها تنتظر ابن عمها الذي سافر على متن مركبٍ إلى البرازيل، بعد أن وعدها بأنه سيعود ليتزوجها.
وحده لطيف عرف أنه لن يعود، ففي ذاك الزمن، لم يكن أي مهاجر يعود إلى وطنه، إلا وقد اشتعل رأسه شيباً، أو لربما توفي ولم يعلم أحدٌ خبره. .

كانت حبيبة تبكي كلما زارها لطيف ساعي البريد، وليس في حقيبته رسالة لها. ساءه حالها وأحزنته دموعها، فقرر أن يسلّي قلبها.
بدأ بتقديم باقة وردٍ لحبيبة، وهو يقول "غداً بإذن الله تصل رسالة منه".


بعد مرور سنواتٍ على سفر حبيبها، تعرضت حبيبة لحادثة غامضة، أورثتها جنوناً من نوعٍ خاص، كانت كل صباحٍ تستفيق بذاكرة بيضاء فيها فكرة واحدة... حبيبها سيعود اليوم من السفر، ليتزوجا!
منهم مَن يقول أنها في سنوات صباها خرجت في منتصف الليل وحيدة إلى الحقول، فأحبها أميرٌ من الجان ومسها بالجنون كي تبقى له، ومنهم مَن يدَّعي أنها فقدت عقلها بسبب طول الانتظار... ومنهم... ومنهم...


والنتيجة!...
ما زال لطيف ساعي البريد اللطيف، رغم الكِبَر والمشيب، يزورها كل يومٍ، وفي يده باقة الورد المعتادة، يبتسم بوجهها ويقول "بشرى سارة يا حبيبة... أرسلَ لكِ اليوم أزهاراً، سيعود غداً إن شاء الله".





Images rights
1-KYKOLNIK.LJ.RU
2- Chloe Dominique



 




رسالة من عمق الأحزان


ابنة المحبرة أنا... اعتدتُ أن أنزف بكائي على الورق.

يوم أشرقتَ في خريفي كتبتُ لك "أستقبلك كل ليلة، وفي قلبي يعربد تاريخ من الخيبات والهزائم والانكسارات. فهل يسع قلبك، ملحمة أحزاني؟"

فكتبتَ لي "أبحثُ عن كونٍ آخر، عن حبٍ

 استثنائي. عن أنثى من حبر... أكتب بها، فتكون هي السرد

 وبيت القصيد".


فكنا...

غابة خشب عتيق كنتُ، عمرها ألف سنة من السأم والملل،

 وحبك قطرة مطرٍ أنعشت خريفي، فانشقّ عمري برعماً ندياً.

 

كنا... وكان الفراق ثالثنا.

فيوم غافلني الموت، وحملكَ على صهوته، صرختُ في وجه

الزمن "كفى... مزاحك سمج جداً هذه المرة"!

لكنه لم يكن مازحاً، كان جدياً في مقولته! وليتها كانت كاذبة

 مقولته!


يا صديقي...

منذ أن رحلتَ وأحزاني تتناسل بصمت كنمو أشجار الغابة. في غيابك أصبحتُ شؤم نبوءات العرافات، وأنين الخائفين. لم يعد في ذاكرتي سوى قمرٌ ذبيحٌ وشمسُ غاربة. وألف نجمة منطفئة. وبـردٌ... ودهور حزن.

يقتلني اليوم غيابكَ، وقد كنتَ دوائي. أستجدي... نسياناً لمواجهة خبث أجراس الحنين، وهي تقرع في ليالي الوحدة.

لا شيء فيَّ مكتملٌ... إلا أحزاني.

كما لو أنني... منديلٌ في مهب الريح يلّوِح للراحلين.

كما لو أنني أوراق مهمَلة، في مواجهة الريح... والهموم فوق

رأسي  ثقالة ورق.

 

 

 


Images rights
1- Shawna Erback
2-Helenatheactress

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 




وسائد... وأحلام


الحمد لله... انضممتُ إلى الفئة العاطلة عن الوظيفة، فبسبب غلاء المعيشة، أفلس دار النشر حيث كنتُ أعمل، فأصبحنا- زملائي وأنا- كوكبة جديدة من ضحايا الفساد المتغلغل في أركان الوطن.

كنتُ أعرف أنني أستحق ما حصل لي، فلطالما طلب مني إبراهيم ابن عمتي وحبيبي أن ألتحق به في بلاد الثلج، لنتزوج بعد أن استقرت أحواله المادية والاجتماعية هناك، لكنني كنتُ أؤجل الموضوع بسبب عملي.

طردتني المالكة من منزل والديَّ، بعد أن حكمت لها المحكمة بذلك! ولن أدخل في تفاصيل ذلك، فالقانون في بلدي في صف "من يدفع"... وفهمكم كفاية.

رفضتُ أن انتقل للعيش مع أيٍ من أخواتي المتزوجات، فكلٍ منهنَّ لديها ما يكفيها من مسؤوليات.
اقترح عليَّ شقيقي المتواجد في بلاد الثلج، أن أنتقل- مؤقتاً- إلى منزلنا القروي، إلى أن يقوم بالإجراءات اللازمة كي ألتحق به. فوافقتُ، واتفقنا أن يتم زواجنا إبراهيم وأنا هناك.

وصلتُ إلى منزل جدتي في القرية مساء.
"رحمك الله يا حنونة، لو ترين منزلك الدافئ كيف أصبح مهجوراً، بعد أن كبر الأطفال، وتشتتوا في أصقاع المعمورة".

ستي؟
ستي يا ستي
اشتقت لك يا ستي
علّي صوتك... صوتك بعيد
جايي من الكرم... جايي من التفاح
صوتك حامل شمس وفيي
لون التين والزيتون
ايــــــــــــــه
وريحة الطيون يا ستي


في أرجاء المنزل تضج ضحكاتنا، أولادٌ صغار لا نفهم، أو نتغابى عن كوننا في القرية لأن أبناء الوطن الواحد، يتقاتلون في المدينة، يتراشقون بالصواريخ، يدمرون الوطن، من أجل!... لم أستطع يوماً أن أفهم من أجل ماذا كانت هذه الحرب العبثية.

رأتني الضحكات فوجمت، بكت معي على طفولة ضائعة، وعلى أحلامٍ أهدرها- الناطقون باسم الوطن- بسيوف تترية، وتنصلوا من التهمة.

في الغرفة الخلفية الكبيرة، طالعتني "تشقيعة الفرش"* حيث كانت تهندسها جدتي كأمهر مهندسٍ يرسم خطوطه بال "ملم".
"في الصباح نرتب الأسِّرة، فتبقى الأحلام مبعثرة تحت الوسائد". هكذا كنتُ أقول لصديقاتي.

نزعتُ الغطاء عنها، وبعثرتُ الوسائد في الغرفة. طلعت منها الأحلام السجينة، تتراكض في الزوايا، كأطفالٍ يخرجون إلى الشمس بعد طول "سجنٍ" في غرف الفصول.
ضحكتُ جداً معهم، لعبنا... رقصنا... وغنينا أغنيات الطفولة.


كذبت!... لم أخبرهم عن الأطفال، وعن ما فعلته بهم الأيام.
فأختي التي كانت تحلم بأنها سندريلا، تحولت إلى "مكنسة" تركض طوال النهار في أرجاء المنزل، تنظف بقايا الأبناء والأحفاد.

أما ابنة عمي، التي كانت تدرس ليل نهارٍ كي تصبح طبيبة نفسية، فقد خذلها الوطن وقال عنها مجنونة كمرضاها، فتركت مرضاها يئنون تحت أنقاض الوطن، ورحلت مع جنونها لتعالج أمراض الغرباء.

أما ابن عمي، الحالم بالمجد، صاحب أجمل عينٍ ترى الجمال وترسمه، فقد ركب قطار البطالة، إلى أن طرده السائق على أرصفة باريس، وقال له "يا ابني... هنا مكانك".

أخي... الذي حلم بالفضاء، اضطرته الأيام أن يترك مركبته، ليركب طائرة الغربة.

أما أخي الصغير، المخرج السينمائي، كما كنا نسميه يومها، فقد تنازل عن السينما، وحمل كاميرا صغيرة، ولحق بمهنة المتاعب، في وطنٍ كل ما فيه... متاعب.

ابن عمتي حمل سياط الفساد أخاديد على ظهره، تجلبب باليأس، وركب قطار الغربة، حيث استبدل قلمه الحر... بملعقة! واحترف إطعام الجائعين في مطعم أسماه "فتولة وتبوش"**.
أراد أن يقول أن كل شيء في لبنان... "خلطبيتة!"

أما ابنة عمتي، هاوية التمثيل، كانت تعمل في التدريس... حاصرها الوطن هي وزوجها الممرض في زوايا الفاقة، إلى أن تركت طلابها، وهاجرت مع زوجها إلى حيث يستقر بهما المقام.


فرحت أحلامهم بالأكاذيب التي أخبرتهم، عن سعادة أطفال الحرب، وعن أحلامهم العظيمة التي نجحوا في تجسيدها كحياة ناجحة. حضنت بعضها بعضاً ونامت في أمان الوسائد.

نبتت من أنسجة وسادتي، أنثى بجناحين، نظرت إليَّ بتحدٍ وقالت: أين أجنحتك؟
فأجبتُ بغصة: قصوها...
لانت ملامح وجهها وسألت: مَن؟...
تسربت الدموع من قلبي وأنا أجيب: أمراء الحرب.
اقترب مني حلمٌ ما زال يزورني كثيراً رغم الكِبَر، وقال: هل تذكريني؟
ابتسمتُ بمرارة وأجبت: ما نسيتكَ أبداً...
نظر إليَّ ببراءة وقال: ما زلتُ أنتظركِ في العتمة، فمتى ستنقلينني إلى النور!
فأجبتُ بخذلان: شاب العمر وشبنا، ولم أجد فرصتي بعد.
تأبط ذراعي وقال: سنجدها معاً؟

سررت... وأصابتني الحيرة من الفكرة ونظرتُ إليه بتساؤل، فهز برأسه أن "نعم"، وقال: لا تستسلمي للصعوبات، فما دمتِ تريدينني كما أريدكِ، فلا بد أن نصل.

شغلت اللابتوب... فتحتُ صفحة بيضاء... وكتبتُ العنوان:
حربٌ... أحلامٌ ووسائد
بقلم: نايا السيد

نظرتُ إليه في الزاوية يبتسم بحب، وقال: وأخيراً سأخرج إلى النور... روايةً عن الحب والحرب.




1$= 100000 ليرة لبنانية

*تشقيعة: مصدرها شقع، وتعني باللهجة اللبنانية الدارجة: أن يضع الأشياء فوق بعضها.
الفرش: وهي الفراش والأغطية والوسائد.
** تبولة وفتوش. سلطات من المطبخ اللبناني.




Images rights
1- Draws-Micy M
2- Ali Miri
3- Lusia Duarte
4-Ali Miri
5- anonymous



القسمُ الحزين


أقسمُ...
بلون القمح في عينيكَ
وقد أغلقت ستائرها عن شواردِ الحياة.


بشمس ابتسامتك
وقد غربت ذات فجرٍ معتم.


أقسمُ بماسِ حروفكَ
وقد صقلني قصيدة هوى وغوى.


أن لا رجل مثلكَ
بثقاب أنامله...
أشعل الإغواء في نيراني
علمني الرقص فوق لهب القصائد.


أيها الراحل عن عمري... وجعاً.
سلام عليكَ يومَ ولدتَ...
ويومَ متَّ...
ويوم تُبعث حياً.








Image rights
DHAVAL ARTIST









نايـــــــــــــا


كنتُ أقرأ مشدوهة فاغرة الفم كالبلهاء، يا إلهي... بماذا كنتُ أفكر وأنا أكتب هذا الكلام!
هذه الترهات لا تمت إلى الأدب بصلة، أسلوبٌ مراهِقٌ ساذج. وكأن الذي كتبه يعيش في متاهة من السخافات، وقد أضاع باب الخروج.
لكن!... لا عجب إنني كتبتُ هذا الكلام، فقد كنتُ يومها ساذجة، وبريئة كطفلةٍ لم ترى بعد الوجه الآخر للحياة.
لحظاتٌ مرت وأنا مشدوهة، ووجدتني أكبس زر "إلغاء" قبل أن أترك فرصة ليدي كي تستشير عقلي، إن كان موافقاً على هذا الإلغاء.


يوم تبَّول الدولار على عملتنا الوطنية، وأورث التجار جشع "تاجر البندقية"*، تحولنا إلى شعبٍ منهك/مستنزف إلا مِن ومضة نورٍ، ما زلنا نصدق إنها تلوح في الأفق، متناسين أننا في وطن، أطفأ زعماءه كل الأنوار في الأنفاق، وأبقوا القطار مضاءة أنواره، استعداداً ليدهسنا جميعاً.

بعد نيفٍ وأسبوع من إهمالي اللابتوب وكل ما له صلة بالكتابة والأدب، قررتُ أن أفتحه، بهدف أن أرى آخر إبداعات الشبكة العنكبوتية.
شغَّلته وأنا أراقب وميض الشاشة وهي تشتغل... وما كادت!
قفزت من الشاشة، حسناءٌ غاب جمالها تحت غبار التعب، على محياها كل أحزان العالم.
صرختُ...
جلستْ على الأرض وهي تلهث وتقول: أخيراً فتحتِ الشاشة، كدتُ أيأس من حضورك.
استجمعتُ ما بي من بقايا وعي وقلت: مَن أنتِ؟
تناولت بسكوته كانت على الطاولة بجانبي، ورشفت رشفة من فنجان قهوتي.
فقلتُ ساخرة: تفضلي... البيت بيتك.
ابتسمت بخجل وقالت: عذراً... لكنني حقاً جائعة، هلا أحضرتِ لنفسك فنجاناً آخر.
كررتُ بإصرار: مَن أنتِ؟
أخذت بسكوته ثانية وقالت: سأخبركِ... سأخبرك، لكن هاتي لكِ فنجاناً آخر لنشرب القهوة معاً.

لفتني جوعها، فأحضرتُ لها صحناً من الشطائر، وحضرتُ المزيد من القهوة.
تناولت طعامها بنهم، ثم استوت لتشرب قهوتها وعلى وجهها ابتسامة خجل.
فقلت: حسناً... هلا أخبرتني مَن تكونين؟
أجابت: ألم تعرفيني؟... أنا نايا السيد.
أجبت بسرعة: ومَن نايا السيد؟... لا أعرف أحداً بهذا الاسم.
فأجابت: بلى تعرفين... شغلي ذاكرتك.
نظرتُ إليها ملياً، حسناء أربعينية، جمالها ملائكي، وشعرها غجري أسود طويل.
ثم!... مهلاً!؟... لا يمكن ذلك!
رأت نظراتي المتسائلة، فهزت برأسها إيجاباً وقالت: بلى... هذه أنا.
فقلتُ بسخرية: هل تمازحينني يا امرأة!؟
احتدت لهجتها قليلاً وهي تقول: كما كنتِ تمازحينني عندما تركتني تائهة في الشبكة العنكبوتية.
قلتُ رافضة الفكرة: لا... لا... أنتِ لا بد مجنونة، لا يمكن أن تكوني هي، فنايا السيد لم تكن إلا شخصية خيالية في واحدة من قصصي.
أجابت: قصتك التي أرسلتها إلى ال "ريسايكل بين" مزبلة الإنترنت.
نظرتُ إليها برجاء وقلت: أرجوكِ... أرجوكِ... توقفي عن قول الترهات واخبريني من أنت؟
رفعت يدها وقالت: أقسم بالله العظيم أنا نايا السيد.

لطمتُ على وجهي وقلت: هذا يعني أنني جُننت.
قامت من مكانها ومسدت شعري وقالت: لا أنتِ مجنونة ولا أنا، كل الموضوع إنني شخصية ورقية جاءت لترى الكاتبة التي خلقتها.
راقت لي اللعبة، فأنا لا أخلو من "الخَوَت" كما نقول نحن في لبنان.
طلبتُ منها الجلوس، صببتُ مزيداً من القهوة في فنجانها وفنجاني، وقلت: حسناً نايا السيد أخبريني لما أتيتِ لتريني؟
رشفت قهوتها بتمهلٍ واستمتاع وأجابت: لأسألك لماذا تركتني وحدي في أروقة الإنترنت؟
أجبت: لم تعجبني القصة حين قرأتها بعد عدة سنواتٍ من كتابتها.
- هي فعلاً كانت مريعة، لكن... هل خطر لكِ انكِ تركتني أعاني وحيدة؟
- لم تكوني وحدك، كنتم عدة أشخاص.
- لكنكِ رسمتني امرأة فاضلة... فكنتُ كما أردتني، لذا عندما رميتنا في نفايات الإنترنت، لم أستطع العيش.
أصبتُ بالخرس، هل يعقل ذلك؟ هل تعاني الشخصيات الخيالية عندما نرميها في المهملات؟
فاجأتني بسؤالها: لماذا زوجتني إلى ذاك الفنان؟
قلتُ بتلقائية: لستُ أنا من زوجك، بل هي والدته... حماتك.
أجابت: هي زوجتني إياه بعد أن قتلتِ زوجي... ابنها الآخر.
قلتُ مدافعة عن نفسي: أنا لم أقتله... هو حمى شقيقه من رصاصات ذاك "الفنان المطبِّع".
شتمت وأجابت: وهل تعرفين ماذا فعل هذا الفنان الذي قُتل شقيقه بسبب موقفه الرافض للتطبيع؟
أذهلتني المفاجأة، فهل أكملت الشخصيات حياتها من دوني؟
أمام صمتي وذهولي أجابت: استقر به المقام في إحدى الدول المطبِّعة! يُطبل ويزمر معها لما يسمونه "الانفتاح على الآخر".
وضعت يدي على فمي وقلت: ماذا تقولين؟... ووالدته كيف سمحت بذلك؟
فتحت يديها وقالت: رحمها الله لقد توفيت قبل أن ترى هذه النكبة.
فسألتها بعجل: وأنتِ تركته قبلها أليس كذلك؟
أجابت: لقد هربتُ منه، كان يريدني أن أشاركه في التطبيل لمشروع "التطبيع".
أجبت بسرعة: وأين اختبأتِ منه؟
تمددت على السرير وهي تعتذر على وقاحتها، ثم تابعت: لقد اختبأتُ منه عند ابنة عمتي آيات هل تذكرينها؟
أجبت وقد عادت لي تفاصيل تلك القصة المريعة: أجل أذكرها، كانت إعلامية مبتدئة، ومغرمة بمديرها في التلفزيون كان اسمه جهاد.
نظرت إليَّ بتحدٍ وقالت: وهل تعلمين ما كان مصير هذا الثنائي؟
حركتُ رأسي بأن لا... فقالت: لقد حصل جهاد على تمويل من "...." وأسس محطته الخاصة... وبكل وقاحة يدّعي أن ذلك حرية تعبير وانفتاح على الجميع.
أما آيات ابنة عمتي فقد تحولت إلى "بوق إعلامي"... في هذه المحطة، وفهمك كفاية.
ضربتُ على رأسي، وقلتُ: يا إلهي... ألم يبقَ أحد في هذه القصة كما أردته أن يكون؟
أجابت بحزن: بلى... بقي... إبراهيم شقيق آيات، هل تذكرينه؟
أجبت بوجل مما ستقول: ابن عمتك الذي أغرم بكِ وأراد الزواج منك.
فسارعت بالقول: لكنكِ وضعتِ زوجي المرحوم أمامي وجعلتني أغرم به وأرفض إبراهيم.
فسألتها: وماذا حصل لإبراهيم؟
فأجابت ممتعضة: هاجر... لم يترك له الفساد حل آخر. هاجر بعد أن قضى في السجن سنة كاملة، والتهمة؟... كتب مقالاً عن فساد المصارف والطبقة الحاكمة.
ضربتُ على وجهي، وتسارعت نبضات قلبي، تعرَّقت يداي وتسربت قشعريرة إلى جميع أنحاء جسدي.
وقلت: بالله عليكِ نايا... لماذا أتيتِ؟... لماذا تخبرينني كل ذلك؟
فأجابت وهي تعتدل في جلستها: كي أفهمك أن شخصياتكِ الخيالية هي أيضاً بشر، تتبدل أحوالها وتتغير، فبالله عليكِ كفي عن رسم الأشخاص المثاليين في قصصك.
حركتُ رأسي رافضة وأجبت: لا... لا... لن أفقد ثقتي بالإنسان.
أجابت بسرعة: ولا أنا سأفقد ثقتي بالإنسان، لكن... لقد علمتني دهاليز الشبكة العنكبوتية، أن الإنسان الحق نادر الوجود، وأن زمننا هذا هو زمن العار يا صديقتي... كل شيء فيه مباح، حتى الكرامات... والشرف.

صعقتني الحقيقة التي كنتُ أحاول أن لا أجاهر بها أمام نفسي وقلت:
أين ستذهبين الآن نايا؟
أجابت: لا أدري...
فقلت بصدق: هل تبقين معي؟... رجاءً.
فقالت بخجل: حسناً سأبقى، بشرط... جدي لي قصة أخرى أعيش فيها هانئة... وبكرامتي.
صافحتها وقلت: اتفقنا.




*إشارة إلى مسرحية شكسبير "تاجر البندقية".



 
Images rights
1- Sarenur Türk Koçak- sayu.go 2- Jurassic Park
3- Adam Almahjoub

الاستحمار الجديد


بدأ استعمار الشرق بزعم نشر العلم والمعرفة، واستمر لقرون. وكل دارسٍ للتاريخ يعرف أن هذا الزعم باطلٌ، وأن الهدف الأول والأخير لدول الغرب، كان وضع اليد على الثروات الطبيعية في دول الشرق.

هل انتهى الاستعمار العسكري؟
ربما... لكنه استمر بألف شكلٍ وألفِ زعمٍ، بدايةً من نشر الديمقراطية، وليس انتهاءً بتأديب الدول المارقة.
أما في العصر الحديث، فقد أخذ الاستعمار شكلاً آخر، مختلف تماماً عن الحكم العسكري، انه "الاستحمار".
المصطلح الذي نحته الفيلسوف الإيراني علي شريعتي*.

فهل ما زال الاستحمار موجوداً؟
بالتأكيد لا يزال موجوداً ولو اختلفت الأساليب. فإضافة لما تمارسه بعض الدول القوية من استحمار سياسي من خلال التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، والتدخل في الشؤون العسكرية والاقتصادية والسياسية لتحقيق مصالحها الخاصة. توسعت سياساتها في استحمار دول "العالم الثالث" كما تُطلق عليه، بتصدير آفة عصرية أطلقت عليها مسمى "شبكات التواصل الاجتماعي".
فالسوشيال ميديا أصبحت جزء لا يتجزأ من حياة الكثير من الشباب حول العالم، وقد أثرت بشكل كبير على عقولهم وسلوكياتهم.
لا يمكننا نكران أوجه إيجابية للسوشيال ميديا في مساعدة الشباب على التواصل، وتوسيع دائرة معارفهم، والانفتاح على ثقافات وأفكار جديدة. إضافة إلى أنها تساعدهم على التعبير عن أنفسهم بشكل أفضل وتعزيز ثقتهم بأنفسهم وتحسين مهارات التواصل بينهم.

لكن!...
ولأننا شعوب مستعمَرة سياسياً، مستحمَرة اجتماعياً، سمحنا لسلبيات هذا العالم الافتراضي أن تجتاح حياتنا وأدق تفاصيل عيشنا. وأن تترك أثرها السيئ على عقول الشباب وسلوكياتهم.


بداية بعض الإحصائيات
استخدام الشباب لمنصات التواصل الاجتماعي:
- وفقاً لتقرير الشبكات الاجتماعية العربية 2021 الصادر عن مؤسسة الاتصالات العربية، فإن عدد المستخدمين النشطين للشبكات الاجتماعية في العالم العربي بلغ 182 مليون مستخدم، أي أن 50٪ من سكان العالم العربي يستخدمون الشبكات الاجتماعية.

- كشفت دراسة أجرتها شركة "بي دي دي" للاستشارات والبحوث الاقتصادية في العام 2020، أن 71% من الشباب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يستخدمون الإنترنت لمدة أكثر من 4 ساعات يومياً، وأن 57% منهم يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي لأكثر من ساعتين يومياً.

- دراسة أخرى أجرتها شركة "أرابيا إنتل" في العام 2020، بينت أن نسبة استخدام الشباب للسوشيال ميديا تتراوح بين 95% و 99% في دول الخليج العربي، وبين 89% و 99% في دول المغرب العربي.

- أما وفقاً لتقرير "ومضات" الصادر عن مركز دبي للإحصاء في العام 2020، فإن 90% من الشباب العربي يستخدمون الإنترنت، ويعتبر التواصل الاجتماعي من أكثر الأنشطة التي يقوم بها الشباب على الإنترنت.


فائدة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي؟
التعارف بين والشعوب، والانفتاح على الثقافات المختلفة.
مساوئ هذا الاستخدام؟
استيراد أفكار بعيدة كل البُعد عن فطرتنا كبشر، وعن تربيتنا الشرقية المحافظة.
لعل أخطر أمثلتها: المثلية الجنسية- المساكنة- الإلحاد... شرعنة التابوهات وإدراجها تحت مسمى "حرية التعبير"!.


استخدام الشباب العربي للألعاب الإلكترونية
- وفقًا لتقرير أصدرته شركة "نيوزو" للأبحاث عام 2021، فإن 85% من الشباب العرب يمتلكون جهازًا للألعاب الإلكترونية، وهذا يعكس ارتفاع مستوى انتشار هذه الأجهزة في المنطقة.

- وفي دراسة أجرتها شركة "آيبوس" في 2020، تبين أن 39% من الشباب العرب يقضون ما بين 5 إلى 10 ساعات في الأسبوع على اللعب بالألعاب الإلكترونية، وأن 20% يقضون أكثر من 10 ساعات في الأسبوع على اللعب.

- وفي دراسة أخرى أجريت في 2020، تبين أن 61% من الشباب العرب يلعبون الألعاب الإلكترونية على الأقل مرة في الأسبوع، وأن 28% يلعبون يومياً.

- وفي تقرير أصدرته شركة "نيوزو" في 2019، أفادت بأن نسبة الإنفاق على الألعاب الإلكترونية في العالم العربي وصلت إلى 2.3 مليار دولار في 2018، ومن المتوقع أن تصل إلى 3.5 مليار دولار بحلول عام 2025.

ما يفوق ال 3 مليار دولار تُصرف على الألعاب الإلكترونية!
ماذا لو صُرفت على تنمية المجتمعات الفقيرة؟!!!


نسبة القراءة بين الشباب العربي
- وفقًا لتقرير صادر عن اليونسكو في عام 2021، فإن معدلات القراءة في العالم العربي لا تتجاوز 1.3 كتاب سنوياً لكل فرد، وهذا يعد مستوى منخفضاً بشكل كبير.

- وفي دراسة أجرتها شركة "آيبوس" في 2020، تبين أن 28% من الشباب العرب يقرؤون الكتب بانتظام، وأن 36% يقرؤون الكتب بشكل عرضي، أي أنهم يقرؤون الكتب بشكل منفصل عن القراءة الإلزامية أو الدراسية.

- وفي دراسة أخرى أجرتها مؤسسة "بيو" في 2019، تبين أن 67% من الشباب العرب لم يطالعوا كتاباً خلال العام الذي سبق إجراء الدراسة.


نسبة القراءة بين الشباب الغربي
- وفقًا لتقرير صادر عن اليونسكو في عام 2021، فإن معدلات القراءة في أوروبا وأمريكا الشمالية تتراوح بين 7.5 إلى 10.5 كتاب سنوياً لكل فرد، وهذا يعد مستوى مرتفعاً بشكل كبير.

- وفي دراسة أجراها مركز بيو للأبحاث في عام 2021، تبين أن 80% من الأمريكيين يقرؤون الكتب بانتظام، وأن المتوسط ​​السنوي لعدد الكتب التي يقرأها الأمريكيون هو 12 كتاباً.

- وفي دراسة أجراها مركز "ستاتيستا" في عام 2021، تبين أن 70% من الشباب في المملكة المتحدة يقرؤون الكتب بانتظام، وأن المتوسط ​​السنوي لعدد الكتب التي يقرأها الشباب البريطانيون هو 9 كتب.


نسبة قراءة الكتب غير المدرسية بين فئة الأطفال في العالم العربي
لا يوجد إحصائيات كافية حول نسبة قراءة الكتب غير المدرسية بين فئة الأطفال في العالم العربي. ومع ذلك، فإن العديد من الدراسات والتقارير تشير إلى أن هناك تحديات كبيرة تواجه القراءة في المنطقة، وأن هناك عدداً قليلاً من الأطفال يميلون إلى القراءة في وقت فراغهم.

تشير بعض الدراسات إلى أن القراءة غير المدرسية تعاني من نقص في الكتب المتاحة في العالم العربي، ومن عدم وجود حوافز كافية للأطفال للقراءة، بما في ذلك النقص في الحملات الترويجية للقراءة والنشاطات الثقافية المرتبطة بها، وكذلك العوائق الاجتماعية والثقافية التي قد تمنع الأطفال من الاهتمام بالقراءة.


نسبة قراءة الكتب غير المدرسية بين فئة الأطفال في العالم الغربي
تشير العديد من الدراسات إلى أن هناك نسبة كبيرة من الأطفال في العالم الغربي يهتمون بالقراءة في وقت فراغهم ويقرؤون الكتب غير المدرسية بشكل منتظم.
فوفقاً لتقرير صادر عن مؤسسة القراءة الأمريكية (American Reading Association) في عام 2020، فإن الأطفال في الولايات المتحدة يميلون إلى القراءة بشكل عام، حيث يقرؤون متوسط ​​6 كتب غير مدرسية في العام، ويعتبرون الكتب الورقية المطبوعة هي الأكثر شيوعاً بينهم.

كما وتشير بعض الدراسات إلى أن الأطفال في العالم الغربي يميلون إلى القراءة بشكل أكبر عندما يكون لديهم وصول سهل إلى المواد المناسبة للأطفال والكتب الشيقة والمثيرة، وعندما تكون هناك حملات ترويجية للقراءة وأنشطة ثقافية مرتبطة بها، وعندما يحظون بدعم الأسرة والمدرسة والمجتمع في تشجيعهم على القراءة.

هل يخلو منزل عربي من أجهزة الألعاب الإلكترونية؟
هل تُعتبر المكتبة في عالمنا العربي، من أساسيات تجهيزات منازلنا؟
كم يبلغ عدد الأسر في العالم العربي، الذين يرتادون المكتبة مع أطفالهم بشكل دوري؟
كم يبلغ عدد الشباب في عالمنا العربي، ممن يملكون مكتبة في منازلهم؟

لن أجيب على هذه الأسئلة، لأنها بعضٌ من لائحة تساؤلات تطول لو أردنا الاستمرار في استنباطها.
ونظرة صغيرة على الإحصائيات المتواضعة التي وردت في المقال أعلاه، تبين حجم الكارثة.
ومسبقاً أقول لمن يحتج بغلاء المعيشة وأسعار الكتب خاصة في جميع أنحاء الدول العربية، سأقول رداً واحداً... وجهازك الذكي وهاتفك ولعبة طفلكَ/ابنكَ المراهق الإلكترونية، كم تبلغ أسعارهم؟
رجاءً فلنخرج من مخبئنا خلف ظلال أصابعنا، لنعترف بأننا نعيش في عالمٍ منكوب بالجهل والتخلف يسمى الشرق أو بلاد العرب.

كم كتاباً تقرأ في السنة؟
ضع جدولاً لمصاريفك، وحدد تماماً كم تصرف من مالٍ من أجل "العالم الافتراضي" وكم تصرف من أجل تنمية عقلكَ وبناء مستقبلك وتطوير عملك؟
وأنتِ عزيزتي، ماذا أورثكِ الغرب سوى أفكار متخلفة عن حرية مزعومة وقوة شخصية تجعلكِ "Strong independent woman"**.
هل تعرفين أن تكونيها؟
المرأة القوية المستقلة، هي الواثقة- المثقفة- الناضجة- الحرة.
الثقة أن تكوني على حقيقتك، لا تزييف- لا عمليات تجميل- لا فلترات- لا مكياج...
المثقفة هي القارئة. هل تعرفين الفرق بين حرفي السين والصاد؟ على تميزين بين ال "ض" وال "د"؟ بين ال "ق" وال "ك"؟
الناضجة هي التي تجاوزت كل التجارب والمِحَن وقد أخذت منها عِبرة.
الحرة لا تتعرى لتسوِّق نفسها في سوق النخاسة، كي يقال عنها عصرية- متحررة.
من هي مثلكِ الأعلى؟ ولماذا؟


صوَر متفرقة من ممارسات الاستحمار الألكتروني
الفايسبوك والتويتر
1- انعدام الخصوصية: يتعرض المستخدمون لخطر فقدان خصوصيتهم عند استخدام الفيسبوك والتويتر، حيث يمكن جمع العديد من المعلومات الشخصية عن المستخدمين، ويمكن للشركات الأخرى الوصول إلى هذه المعلومات أيضاً.

2- الإدمان: يمكن أن يصبح الفيسبوك والتويتر مدمِراً عندما يصبح المستخدم مدمناً، حيث يمكن للمستخدم قضاء ساعات طويلة يومياً في استخدام الفيسبوك والتويتر، مما يؤثر على حياته الاجتماعية والعملية.

3- الانتحال الإلكتروني: يمكن للمستخدمين أن يكونوا عرضة للاحتيال، حيث يمكن للمحتالين إرسال رسائل وروابط مزيفة للمستخدمين لسرقة معلوماتهم أو تثبيت برامج خبيثة على أجهزتهم.

4- الإساءة للصحة النفسية: يمكن للفيسبوك والتويتر أن يؤدي إلى الإساءة للصحة النفسية للمستخدمين، حيث يمكن أن يتعرضوا للتنمر والتعرض للعنف النفسي والتأثير على صحتهم النفسية.

5- الانعزال الاجتماعي: يمكن للاستخدام المفرط للفيسبوك والتويتر أن يؤدي إلى الانعزال الاجتماعي، حيث يمكن للمستخدمين أن يقضوا وقتاً طويلاً في التفاعل مع الأصدقاء والعائلة عبر الإنترنت بدلاً من الالتقاء والتواصل الاجتماعي الحقيقي في العالم الحقيقي.

6- مصداقية المعلومات: كم تبلغ نسبة المعلومات والأخبار المنشورة على مواقع التواصل؟


نسبة المعلومات والأخبار الكاذبة على الشبكة العنكبوتية
من المهم مراجعة الأرقام الموجودة في الإنترنت بشكل منتظم للتحقق من صحتها وتجنب الانسياق وراء المعلومات الكاذبة. ومع ذلك، يعد حساب نسبة المعلومات الكاذبة على الإنترنت أمراً صعباً ويعتمد على العديد من العوامل، منها:

1- تعريف المعلومات الكاذبة: تختلف تعريفات المعلومات الكاذبة من شخص لآخر ومن موقع لآخر. يمكن لبعض الأشخاص اعتبار أي معلومة لا يتفقون عليها كمعلومات كاذبة، بينما يمكن لآخرين أن ينظروا إلى معلومات محددة فقط كمعلومات كاذبة.

2- زمن الدراسة: يختلف تقييم نسبة المعلومات الكاذبة على الإنترنت بناءً على الفترة الزمنية التي تم دراستها. قد يؤدي التحليل على فترة قصيرة إلى نتائج مختلفة عن التحليل على فترة طويلة.

3- مصدر المعلومات: يمكن أن تختلف نسبة المعلومات الكاذبة على الإنترنت بناءً على المصدر المدروس. يمكن أن تكون النسبة مختلفة بين المواقع الإخبارية والمنصات الاجتماعية ومواقع الويب الشخصية.

4- الموضوعية: يمكن لتقييم نسبة المعلومات الكاذبة على الإنترنت أن يكون موضوعياً صعباً، حيث يمكن للتقييم أن يكون متأثراً بالعواطف والآراء الشخصية للمحللين.

5- الدقة والكمية: يعتمد تقييم نسبة المعلومات الكاذبة على الدقة والكمية المتاحة من البيانات، مما يؤثر على مدى دقة التحليل والنتائج التي يتم الوصول إليها.

بشكل عام، لا يوجد تقدير دقيق لنسبة المعلومات الكاذبة على الإنترنت بسبب تعقيد الموضوع. ومع ذلك، تشير بعض الدراسات إلى أن هناك مستويات عالية من المعلومات الكاذبة على الإنترنت، وفقاً لتقارير ودراسات مختلفة. على سبيل المثال، أفادت دراسة قام بها معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في عام 2018 بأن المعلومات الكاذبة تنتشر أسرع بكثير من المعلومات الصحيحة على تويتر، وأن المعلومات الكاذبة تنتشر بنسبة تصل إلى 70% أكثر من المعلومات الصحيحة.

وفي عام 2020، أفاد تقرير صادر عن شركة أمريكية تدعى "NewsGuard" بأن 40% من مواقع الأخبار على الإنترنت تنشر معلومات كاذبة.
لذا على المستخدم توخي الحذر والتأني في اختيار ما هو صادق من موضوعاتٍ يطالعها عبر العالم الافتراضي.


كارثة اسمها... التيك توك
1- عبر التيك توك يمكن الوصول إلى محتويات غير لائقة ومسيئة، قد يتعرض لها الأطفال والشباب دون قصد، مما يترك في عقولهم تأثير سلبي ومشوه.

2- يمكن أن يسبب استخدام تيك توك الضغط النفسي على المستخدمين، خاصةً إذا كانوا يحاولون الحفاظ على أعلى نسبة من المتابعين للحصول على مشاهدات وتعليقات.

3- قد يحتوي بعض مقاطع الفيديو على معلومات مغلوطة أو خاطئة، مما يمكن أن يؤدي إلى انتشار المعلومات الخاطئة والإيذاء.

4- يمكن للمستخدمين أن يشعروا بالضغط لتحسين مظهرهم ومظهر مقاطع الفيديو التي ينشرونها على تيك توك، وهذا يمكن أن يؤدي إلى الاعتماد الزائد على المظهر الخارجي وتقييم الأشخاص بناءً على مظهرهم فقط.


قد يبدو للبعض أن ما ورد عن موقع التيك توك، هو مجرد تفنيد بسيط لتأثيره على المستخدمين، الشباب والأطفال.
لكن الحقيقة أكثر بشاعة، وأكثر رعباً. فال "تيك توك" هو مكب للنفايات الفكرية بكل ما في الكلمة من معنى، أقله في العالم العربي، فكل ما يهدف إليه المستخدِمون هو الانتشار والشهرة... والمال.
والمرعب في الموضوع أنه موقع ولِد منه مخلوق مسخ أسموه "المأثرون"!
ففلان/ة "مؤثر/ة"... من خلال نشر الترهات والنفايات وفضلات عقولهم الفارغة.

نهاية القول... نحن نمارس سياسات تجهيلٍ على أنفسنا، ونسمح للغرب بأن يستمر بسياسة "الاستحمار" التي يبتكر كل يومٍ ألف طريقة لها. لأننا كشعوب عربية نُعتبر أرض خصبة، يسهل زرع التفاهات وجميع أنواع الآفات في تربتنا الجدباء.
خلاصة ما ورد هنا: الغرب ليس مفترساً، لكن نحن مطية سهلة.




*علي شريعتي (1352 - 1395 ه‍ / 23 نوفمبر 1933 - 18 يونيو 1977 م) مفكر إيراني إسلامي.
من أقواله عن الاستحمار: الاستحمار هو طلسمة الذهن وإلهائه عن الدراية الإنسانية والاجتماعية، وإشغاله بحق أو بباطل، مقدس أو غير مقدس.


**هو تعبير يستخدم لوصف المرأة التي تتمتع بالقوة والاستقلالية والثقة بالنفس في حياتها وقراراتها. بما في ذلك:
1- الثقة بالنفس: القدرة على تقبل الذات والثقة في القدرات والمهارات الشخصية.
2- القدرة على التحمل والصمود: القدرة على التعامل مع التحديات والصعوبات والاستمرار في المضي قدمًا حتى في الظروف الصعبة.
3- القدرة على اتخاذ القرارات: القدرة على التفكير الواعي والتحليلي واتخاذ القرارات بناءً على النصائح والمشورة المناسبة.
4- القدرة على العمل الجاد: القدرة على العمل بجد والتفاني في العمل وتحقيق الأهداف المرسومة.
5- القدرة على التواصل الفعال: القدرة على التواصل بشكل واضح وفعال وتعبير الأفكار والمشاعر بطريقة ملائمة.

 

Images rights


1-  PAWEL KUCZYNSKI

2- Morad CDS

3-   Ahmad Rahma

4- timothy arellano

5- anonymous

6- anonymous

7- anonymous

8-Gatis SLuka- Latvia