والحب يليق به


أعرف!!...
أجل... أعرف!!
أنت واقع في غرامي! أيها الآتي على فرس المستحيل.
فأنا أكبركَ بثلاثة أطفالٍ... وزواج... من رجلٍ حمل لواء العناية بي بكل اعتداد رجولته وأخلاقه، في وقتٍ تخلى فيه الجميع عني.
كنتُ طفلة في الخامسة عشر عندما رحلت عائلتي شهيدة تحت نير الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة. وبقيتُ في عتم اليتم وحيدة إلا من اكتئابٍ مزمن.
هو قائدٌ من أشجع قواد المقاومة في قريتي المترامية الأطراف على الحدود الجنوبية للبنان المعمدة حدوده بدماء نخبة النخبة.
وقتها كان في أواخر العشرينات من عمره، حين عرض عليَّ العيش في مؤسسات خاصة للأيتام.
بكيتُ ورجوته أن يبقيني في قريتي حيث دُفن أهلي وأخوتي.
فوجدته يعرض عليَّ الزواج به، على أن يتكفل بدراستي حتى أعلى الشهادات. فاخترت العيش معه.

حصلتُ خلال عشرون عاماً من الزواج على ماجستير في الأدب
الإنكليزي... وثلاثة أطفال. ورجل لا يشبهه رجل في حنانه ورجاحة عقله وكِبَر قلبه.
يومَ بلغ أصغر أطفالنا عامه الرابع... استشهد مَن كان نبض روحي.
خرجتُ إلى العمل، بقلبٍ نازفٍ وروحٍ محلقة في سماء أحزانها... فلا وجع كان يشبه وجعي.
هناكَ عرفتك! في أروقة الجامعة عرفتك... أستاذ محاضر في الحقوق، يحمل هموم الوطن والقضية.
جذبكَ الحزن في ملامحي، وجذبني إيمانكَ بالمقاومة التي أحمل لوائها، كوني زوجة شهيد وأماً لثلاثة مقاومين ما زالوا في طور طفولتهم.
كنتَ تصغرني بسنواتٍ خمس... وأكبركَ بثلاثة أطفالٍ... وقضية. قد أكون أحببتكَ بكل الضعف الذي نحِّيته جانباً حين ارتبطتُ بعهد الزواج من مقاومٍ بطل، ما عرفت ساحات الوغى يوماً له لحظة كبوة. لعل المودة والتفاصيل الصغيرة التي تربطنا لم يعد أمامها من متسع إلا أن تعلن أنها خرجت من شرنقة الصداقة، إلى بوتقة الحب.

رأيته بأم عيني يقف في الزاوية، يحمل سلاحه ويسلمه لأكبر أطفالنا. التفتُ إليكَ وفي عيني لمعة تصميم...
خرجتُ من الغرفة ألاحق رائحته العابقة في روحي... فأن أكون زوجة لشهيد لا يليق به وبي إلا أن أرحل إليه في المقلب الآخر، وأنا أحمل خاتم زواجي في قلبي.



 Image rights are reserved to the owner


نصف آدم الآخر


السيدة الفاضلة هيام
مساء نزيفنا يا صديقتي، العابق بذكرى حبيبٍ ذهب مع الريح... منتقلاً إلى المقلب الآخر، تاركاً لنا الأحزان والمواجع.
سامحيني على جرأتي في اقتحام أحزانك، لكنني ملزمة تجاه آدم أن أخبركِ بحقيقةٍ لطالما أخفاها عنكِ.
كنتُ أنا وآدم زملاء في الدراسة، أولاً في المدرسة، ثم انتقلنا إلى الجامعة، بطبيعة الحال تخرجتُ قبله بسنوات، فأنا صيدلانية وهو كما تعلمين طبيب.
جمعنا عشق أسطوري. لكن والدي رفض أن يسمح لي بالزواج من حبيبي لأن هذا الأخير لم يكن يملك شيئاً بعد، ولا حتى شهادة في الطب، بينما أنا سليلة الحسب والنسب، ابنة عائلة غنية ذات صيت ذائع في البلد- هذا ما قاله والدي، وأتبرأ أنا منه.

ألزمني والدي على السفر إلى الخارج لأكمل دراستي، وقطع عني أي تواصل ممكن أن يحصل مع الوطن.
نلتُ شهادة الدكتوراه في الصيدلة في العام نفسه الذي توفي فيه والدي. سامحه الله، تركني وحيدة في الغربة، أنا اليتيمة التي ما عرفت يوماً حنان الأم. كنتُ شريدة في لندن، ووحيدة مع أحزاني.
أسستُ هنا شركة لصناعة الأدوية... افتتحتُ صيدلية... وغرقتُ في أعمالي، لعلي أنسى آدم، وأسلى عن التفكير به.
إلى أن!... دخل عليَّ يوماً في مكتبي في شركة الأدوية... حضورٌ صاعقٌ لرجلٍ ما فارق ليلة أحلامي... وما عشتُ لحظة دون أن أتنفسه.
أجل آدم... حبيبي الذي خَذَلته وخلفته مع الأحزان والمواجع، لأنني لم أجرؤ على الهرب من منزلي كي أرتبط به.
كان متزوجاً منكِ منذ سنواتٍ خمس، لم تنجبا أطفالاً لأن آدم لا ينجب! هكذا أفهمكِ كي يكفيكِ شر الصدمة.

تزوجنا... وعشنا في عتم الحياة، كي لا نجرح مشاعركِ أنتِ المرأة التي ناضلت ووقفت بجانب طبيبٍ ما زال يؤسس حياته.
أجل سيدتي تزوجنا سراً... وأنجبنا شابين وثلاث فتيات!
فكما أخبرتكِ كان آدم قد أخبركِ انه لا ينجب، لكن تلك كانت كذبته البيضاء.
أخبر أولادنا عنكِ كثيراً، وأوصاهم بكِ قبل أن يوصيهم بي.

سامحيني على رسالتي... التي لا بد فتحت جرحاً نازفاً في قلبكِ. لكنني عاهدته وهو يصارع المرض أن أخبركِ لأنه يريدنا أن نجتمع كعائلة.
آدم رحل... تركنا أرملتين حزينتين، لكنه كان قلقاً عليكِ، كان قلقاً من وحدتكِ بعده.

أرسل إليكِ هذه الرسالة، كي أخبرك عن وصية آدم، وعن أمنيته الكبيرة بأن تنضمي إلينا لنكون عائلة واحدة.


علياء
نصف آدم الآخر




 Image rights are reserved to the owner