هاتف منتصف الليل


الثانية عشرة منتصف الليل، وقبل أن أغلق هاتفي لأخلد إلى النوم، وإذ به يرن بطريقة أفزعتني... لا بل أفجعتني، فقد خُيّل لي للحظات، أن وراء رنينه في هذا الوقت من الليل، كارثة ما!
فتحتُ الخط متهيبة، وقلت: الو...
وإذ بالخط يُغلق في وجهي.
أطفأته ولجأتُ إلى السرير.
أطلت إغفاءة مغلفة بوسوسة شيطانية، ماذا وراء هذا الهاتف الصامت!؟ فهل هي صبية تهاتف حبيبها؟... فأجابها صوت امرأة! حسناً ماذا لو اعتقدت أن حبيبها يخونها!؟... سيتشاجران، وقد ينفصلان بسبب همسة "الو".
ماذا لو كانت سيدة ما تهاتف زوجها الذي تأخر في العودة، يا إلهي... ستعتقد أن زوجها يخونها!... هل تطلب الطلاق منه بسبب همسة "الو"!؟ هل أحاول الاتصال لأتأكد وأنفي التهمة عن رجلين لا أعرفهما؟... لكن ماذا لو اعتقدت المرأة أن عشيقة زوجها، تحاول أن تعيد الاتصال به!؟
لا... لن أخاطر، لأزيد طين الشك بللاً في عقل أنثى متلهفة على حبيبها، أو عقل زوجة قلقة لتأخر زوجها.
حسناً... أغمضي عينيكِ يا هذه، ولا داعي لكل هذه الهواجس، انها مجرد رنة هاتف.
وقبل أن أغفو مجدداً، طرق الوسواس باب عقلي وهو يبتسم بخبث شيطاني، ماذا لو كانت هذه استغاثة إنسانٍ ما، قد هاجمه مجرم، وها هو قد قتله قبل أن يُطلق نداء الاستغاثة!!!؟
يا إلهي هل أتصل بالقوى الأمنية؟...
لا... سيعتقدونني مجنونة. وغداً صباحاً حين يكتشفون الجريمة، سيجدون رقم هاتفي مسجلٌ كآخر اتصال!! فبماذا سأبرر اتصالي في هذا الوقت برجل- أو امرأة- لا أعرفه/ها!؟
وإذا قلتُ الحقيقة فهل يصدقونني!؟
وكلما حاولتُ أن أبعد الأفكار عن رأسي، كانت تهاجمني المخاوف والهواجس، فقضيتُ ليلي بين براثن الأرق والقلق، وأنا أضع ألف سيناريو يُفسر هذا الهاتف.

يبدو أنني أخيراً غفوت، أو لعله أغمي عليَّ من طول السهر، فقد فتحتُ عينيَّ لأجد أن الساعة قد تجاوزت التاسعة صباحاً بدقائق.
انتصبتُ جالسة في سريري، وقد تذكرتُ ما حصل البارحة.
فتحتُ هاتفي بيد ترتجف، وكأنه قنبلة موقوتة ستنفجر في وجهي.
بدأت الرسائل ترن من جميع جهات مواقع التواصل الاجتماعية. إلى أن وصلتني رسالة على "الواتساب"، لفتني انها من رقم أجهل صاحبه. كانت رسالة طويلة نوعاً ما، قرأتها وأدرينالين القلق في دمي ينخفض رويداً... رويداً...
"أعزائي أصحاب هذه الأرقام...
اكتشفنا اليوم صباحاً أن طفلنا ذو السنوات الخمس قد لعب بهاتف والده ليلاً واتصل بالعديد من الأرقام. ولأن توقيت الاتصالات كان بعد منتصف الليل، وهو موعد نوم الكثيرين، فيهمنا نحن والديّ الطفل أن نستسمحكم عذراً على الإزعاج الذي حصل. سامحونا رجاءً".
تنفستُ الصعداء، وضحكتُ بهستيريا  "رنة هاتف" تتسبب بليلٍ طويل من الأرق والقلق.





 Image rights are reserved to the owner