الندم... وأنا


لنفرض أن اسمي ليلى...
وليلى هنا ليست معشوقة قيسٍ... وجنونه. بل ليلى البريئة، ذات الرداء الأحمر، التي اعتقدتْ أن جميع كائنات الغابة... أصدقاؤها.

تفتح وعي مشاعرها على... لنسمه آدم.
لماذا آدم؟
لأنه بالنسبة لليلى، مجرد آدم عرفته ذات براءةٍ، منذ ثلاثين ونيِّف من السنوات العجاف... ولأنها لا تدري كيف أصبح آدم (ها)، فمن هو؟... وكيف هو؟... وأين هو؟... فهو يمكن- في زمن الغرائب هذا- أن يكون رجلاً... أو مجرد ذكر. قديسٌ... أو زير نساء... مثقفٌ له مكانته، كيانه، مركزه وشخصيته المتميزة. أو يمكن أن يكون جاهلاً من شذاذ الآفاق، يتبع زعيماً ما كأي خروف يتبع راعيه.
أو... أو... أو...

ولو أردنا أن نعدد اختلافات هذه ال "أو" لما انتهينا ونحن نخط مجلدات ومجلدات.
لذا فلنقبل آدم كما يمكن أن يكون إنسان هذا العصر، بجميع أهوائه...أماله وآلامه وتناقضاته... هزائمه وانكساراته... انتصاراته ونجاحاته... ثباته أو تغيراته.
هو بالنسبة لليلى التي هي أنا... مجرد آدم عَرَفته ذات زمنٍ مضى. عرفته "حب أول" شكَّل خارطة أنوثتها.

وعلى أنغام "هذه ليلتي"... و"سوف تلهو بنا الحياة... وتسخر"
يُقلع بنا فلك هذه الملهاة الساخرة حدَّ الوجع، لحكاية بدأتْ ذات معجزةِ براءة في خضم الحرب الأهلية في وطني المنقسم دائماً على نفسه... لبنان.

♥♫♥

كعاصفة برقٍ مررتَ في حياتي. فأضأت زوايا طفولتي العابقة برائحة البارود والنار، كما يضيء البرق حنايا المكان.
طلعتَ عليَّ كبدرٍ في شرفة مقابلةٍ لشرفةِ منزلي.
هكذا رأيتكَ وقتها، قمراً ينير عتم الخوف. فتعلقتُ بك... وتعلقتَ بي... تبادلنا النظرات... والابتسامات، إلى أن سرقنا هنيهاتٍ تجمعنا في لقاءٍ سريع، بعيداً عن أعين الرقيب.
لقاءٌ بريء... مبتور... خائف... متوجس من تجربة أولى... وقلبٌ عامرٌ بالفرح لأن لقاء الأحبة أخيراً... قد حصل.
والنتيجة؟... اسمان من دون كنية... تكبرني بعامِ... وأصغركَ باِندفاع.

... فرقتنا الأيام لتنسحب "أنت" إلى غياهب الذاكرة. كحلمٍ عشته هنيهات فأيقظني منه صوت المدافع، لأجدني بذاكرة فارغة من باقي الحكاية.
أكملتُ الدرب وحدي، وفي أعمق أعماقي "حكاية" مراهِقة أحبت يوماً ابن الجيران، ففرقت الحرب بينهما، كما لطالما فعلت بكل شيء جميل.

اليوم وبعد أزمنة مضت على لقائنا البريء... التقيته!، فارسٌ صادف خريفي وهو في ريعان الشباب، ليعبثَ بذاكرتي الهرمة. "هو" الذي يحمل في عطره، عطرَ "منطقة" لجأنا إليها (أهلي وأنا) يوماً هرباً من الحرب، وتركناها بعد "هدنة" سرعان ما أسلمت الروح... كعادة تلك الحرب!

وها "هو" بعد ثلاثين ونيِّف، يعيدكَ إلى ذاكرتي بكامل تفاصيلك.
أعوامٌ عجافٌ مرَّت، كنتَ خلالها تقفز لحظاتٍ إلى ذاكرتي... فابتسم، وأكمل الدرب.
فها هو الآن... لقاءٌ عابرٌ معه "هو"... يعيد إليَّ ذكرى ابتسامة لطالما غيبتها الأيام عن ذاكرتي. وليزرع في أعماقي ندم... لأنني- وعلى مرِّ أعوامي الحافلة بآلاف الحكايا- لم أحاول مرة أن أستطلع فيها خبرك.

واليوم أسأل نفسي، لماذا لم أخبرك بعنواني الجديد؟... باسم مدرستي؟... بكنيتي؟... آهٍ الكنية. لو أنني أعرف كنيتك فقط، لربما هان عليَّ اليوم- في زمن الانترنت- أن أبحث عنك.
فهل تحاول أنتَ أيضاً، وبعد نيِّفٍ وثلاثين على فراقنا الغامض أن تبحث عني؟... هل تذكرني؟... هل؟... وهل؟...

يااااااااااااااااه يا وجع الأحلام...
أنام... فتحملني أحلامي إلى منزلي القديم... أحاول أن أتبين شرفتك... نافذتك... فتتشابه عليَّ النوافذ والشرفات... أبحث وأبحث. وفي نوم آخر أجدكَ تبحث عني!... لكنكَ لا تراني... أحاول الوصول إليكَ فتمنعني المدافع والركام... فأستيقظ بوجع وحنين.
فأين "أنت" اليوم؟... وأين أجدك؟... وهل من سبيلٍ لأن ألتقيك؟... كيف أصبحتْ؟... مَن أصبحتْ؟... تزوجتْ؟... أنجبتْ؟... ؟... ؟... ؟... ؟...؟...
لماذا لم أحاول طوال تلك الأعوام أن أتواصل معك؟... لماذا؟... وتبقى أوجع "لماذا" في أيامي هي... لماذا الآن وبعد طول هذا الغياب، تعود إلى ذاكرتي بهذا الزخم... وهذا المرار... وهذا الندم على صمتٍ مضى.
آدم... زمنٌ من وجع... وقافلة عشاق. وحكايتنا سرٌّ في غياهب القلب... والعمر ينتظركَ فجراً أخفاه ألف عتم غياب.
آدم!... أتراكَ تذكرني كما أذكرك!؟
تحلم بي... كما أحلم بك!؟
أتبحث عني!؟... أرجوكَ اِبحث عني.

آدم (ي)... 
أضعتُكَ... فجدني.




Images rights are reserved to their owners