في قلبي أنثى عبرية رواية ساذجة... وغبية


رواية ساذجة وسطحية، الفكرة فيها مُصاغة بغباءٍ مُطبق. فقد قدمت الكاتبة أفكارها بسذاجة وسطحية معرفية ثقافية بأهل المقاومة وشعبها في جنوب لبنان، لا بل جهلٌ مطبق بهذه البيئة وحتى بجغرافيتها. فجاءت روايتها- والتي تدّعي أنها رواية حقيقية- مغرقةٌ في طوباوية سخيفة لم تحترم عقل القارئ ولم تحترم بيئةٌ لا يمكن أن يغوص في أعماقها سوى إنسانٌ ولدَ فيها.

زعمت الكاتبة أن القصة حقيقية، لتقنع القراء بأهمية ما كتبت، لكن فاتها أنه لا عاقل يمكن أن يُصدق أوهامها المبنية على شوفينية إسلامية (متطرفة) وكأنه يكفي أن نقرر أن فلان يجب أن يُشهر إسلامه، فيُشهره بعد عدة مقابلات - سخيفة- أسمتها دروساً في الدين مجموعة مصادفات مركبة كحبكة وهمية غارقة في الخيال. نسجتها الكاتبة بطريقة ساذجة، بسلسلة أحداثٍ غرائبية، لا تمت إلى الواقع بصلة... إلى أن أوصلتنا إلى نهاية القصة بحيث أشهر كل يهود القصة إسلامهم، وتوفي كل مسيحيي القصة في حادثة واحدة.

كيف؟... هكذا أرادت الكاتبة... وكفى.
الشخصيات ضعيفة وسطحية رُسمت لتؤدي غرض الكاتبة وحسب، لكنها شخصيات ضبابية لا ملامح لها، ولا عمق نفسي أو وجودي. فالبطلة اليهودية المتعصبة، أسلمت بعد بضعة دروسٍ دينية(؟). وكان لها القدرة على تحويل مجتمعها اليهودي بأسره إلى الإسلام!


للمرة الثانية نسأل: كيف؟... هكذا أرادت الكاتبة... وكفى.

لجأت الكاتبة إلى الخيال المبالغ فيه، والأفكار المتطرفة المُقحَمة. فأين الواقع؟... وأين بنيان الفكر المقاوِم؟... لا بل أين أساس الدين الإسلامي؟ لعل هدف الكاتبة كان تقديم صورة جميلة مشرِّفة عن الإسلام والمسلمين، وعن انجذاب الآخر إلى ديننا الإسلامي. لكنها لا شك قد أخطأت خطأً فادحاً في اختيار بيئة روايتها وهوية أبطالها، مما انعكس سلباً على عليها، فكانت روايتها فضيحة مدوية لها ككاتبة لم تتكبد عناء البحث عن أسس مجتمع نمت في تربته ونضجت تجربة من أعظم تجارب التاريخ، وهي تجربة المقاومة الإسلامية في لبنان.

أنا لا أدّعي أنها أساءت للمقاومة أو لشعبها، لا... لكنها لم توفّق أبداً في تصوير عقلية وبيئة وحياة وتفاصيل هذه الفئة من الشعب اللبناني، بل تناولت شخصياتهم بطريقة مُغرقةٌ في السذاجة، مما انعكس سلباً على بنية الرواية، فكانت روايتها عبارة عن مجموعة من المغالطات التي لا تمتُّ إلى المقاومة ولا إلى شعبها في لبنان بصلة.

ولنبدأ بتحليل المغالطات:

شابين من المقاومة في جنوب لبنان أحدهما مصاب بعد عودتهما من عملية عسكرية... وحدهما... في سيارة في قرية قانا الجنوبية، وأشدد على كلمة وحدهما، ينفجر إطار سيارتهما أمام أحد المنازل مما يضطر الشاب السليم منهما أن يطلب مساعدة سكان المنزل للعناية بصديقه المُصاب، وبالمصادفة تفتح باب المنزل صبية يهودية وتساعدهما....

حكاية خرافية لن يُصدقها في لبنان طفلٌ صغير!!

شابين من المقاومة وبعد قيامهما بعملية عسكرية، وحدهما في الميدان، هذا المستحيل بعينه. إنهم يتحركون في مجموعات، لديهم آلياتهم العسكرية وإسعافاتهم وأطباءهم ورجالهم المختصين بحماية الجرحى وإعادتهم سالمين من ساحات الوغى. وبالتالي فإن طلبهم للمساعدة من أي منزل أو أي كان وبشكل عشوائي، أمرٌ لا صحة له إطلاقاً. الصبية يهودية والمنزل فيه عائلة يهودية في بلدة قانا الجنوبية، والمقاومة لم تكن تعرف بوجودهم!؟
لو أخبرنا أصغر طفلٍ في قانا أو في جنوب لبنان عن وجود عائلة يهودية في الجنوب لأغشي عليه من الضحك... فتلك نكتة ساذجة لن يلقيها أجن مجنون.

إذن أساس الرواية واهٍ وغير منطقي ومغلوط، وبطبيعة الحال فكل البناء متهاوٍ وغير منطقي وغير واقعي.

ومع ذلك سأكمل إظهار المغالطات:

الشاب المقاوم وهو مصاب وفي قمة ألمه ينظر إلى صدر البطلة "ندى" ليكتشف أنها تضع الصليب اليهودي!
فيُعجب بها لما أقدمت عليه من العناية به وحمايته! لا بل في اليوم التالي وهو يغادر مع رفيقه بعد أن أصلح هذا الأخير إطار السيارة، يسألها إن كانت توافق على الارتباط بشابٍ مسلم... يغادرها شارد الفكر يُحلل تصرفاتها... ورفيقه يُلمِّح للموضوع ضاحكاً. وهي تفكر به وصورته لا تفارق خيالها!
يا امرأة... ألم تسمعي ب "غض الطرف عن المحارم". انكِ تتكلمين عن رجال المقاومة يا هذه.

البطل "أحمد" الشاب المقاوِم (المصاب السابق) يقصد عائلة "ندى" اليهودية ويطلب يدها!
مقاوِم يطلب يد يهودية للزواج!... بهذه البساطة، لا بل بهذه السذاجة!
المقاومون مجتمع قائم بحد ذاته، لهم خصوصيتهم وأسلوب حياتهم واختياراتهم الخاصة لبناء عائلاتهم. فالشاب منهم يختار زوجة المستقبل وشريكة الدرب من عائلات تعيش في بيئة مقاوِمة تعرف متطلبات حياة رجلٍ نذر حياته للدفاع عن الوطن والدين. تفهم عقليته وأخلاقه وأسلوب حياته، تفهم "تكليفه الشرعي".

اليهودية ندى تصبح خطيبة أحمد وبالصدفة تساعده في عمله المقاوِم كونها تتكلم اللغة العبرية!
باختصار... المقاوِم لا يُسِّلم سرّ عمله لأحد، لا لزوجته ولا لأمه أيضاً. هي أعمالٌ سرية لا أحد يعلم عنها شيئاً. هي أمورٌ خاصة فقط برجال المقاومة.

البطل أحمد وبعد التحرير عام 2000 يُفقد أثره، ليتبين فيما بعد (بعد سنوات) أنه قد فقد ذاكرته وعاش متنقلاً بين القرى دون أن تُعرف هويته أحد!
أمر ساذج آخر، المقاومة لا يمكن أن تترك أمر اختفاء أحد رجالها يمر بهذه البساطة، فهم سيبحثون ويستقصون إلى أن يعرفوا مصيره. كما أن وجود شخص غريبٍ في أي قرية، وخاصة فاقد للذاكرة، لا يمكن أن يكون عادياً، انه أمرٌ ملفتٌ وموضع تساؤلٍ وشك. إذن... ستتضح هويته خلال أيامٍ.

حسان رفيق البطل أحمد (من كان يرافقه في السيارة وهو مصاب في بداية الرواية) يحتفظ بصورة لندى خطيبة أحمد، مما يُلفت أنظار رفاقه في معتقل "الخيام" ويفتح مجالاً لتلفظهم بألفاظٍ نابية!
ليست أخلاق رجل مسلم، وليست أخلاق رجلٍ من رجال المقاومة أن يحتفظ في جيبه بصورة امرأة غريبة أو قريبة، فهذا قذفٌ للمحصنات وتعريضهنَّ للقيل والقال.

الصديقان أحمد وحسان رفيقا المقاومة والنضال يختمان الرواية بخلافٍ مشبوهٍ على البطلة ندى. فيتعاركان ويتعاتبان... ثم تتضح براءة حسان بصورة ساذجة ولا منطقية!
إن رجلين بأخلاق وصفات رجلين من المقاومة لا يمكن أن يتقاتلا لسبب شخصي، فكيف إذا كان السبب امرأة!؟
فالتسرع ليس من شيمهم والعصبية والغوغائية ليست من صفاتهم. والغدر وخيانة الصديق دناءة ليست موجودة في قواميسهم.

هذه أهم نقاط الرواية التي كان يجب أن أناقشها لأوضح معالمها، مع أن البقية لا تقل أهمية، لكنها تفاصيل تسقط حكماً بعد نفي الخطوط العريضة لأجواء الرواية.

لا شك إنها رواية شديدة الضعف ومعدومة الموضوعية، استخدمت الكاتبة في أحداثها الدين بشكل ممجوج لاستدرار عواطف القارئ. وهذا إن دلَّ على شيء فإنما يدل على ضعف علاقة الكاتبة بأحكام الدين الإسلامي وانعدام ثقافتها العامة فيما يتعلق بالمجتمعات وتركيبتها العقلية والفكرية والتراثية.

وأنا حين شدَّدتُ على تفاصيل بسيطة مثل تعلق أهل جنوب لبنان بأهل بيت رسول الله (ص)، وبشكل حجاب النساء، لم أقصد أن أشكك بعقيدة أي أديان أو مذاهب أخرى، إنما قصدتُ أن الكاتبة لم تتطرق إلى موضوع يُعتبر لدى أهل المقاومة في لبنان من أهم موضوعات شعائرهم الدينية.
أما بشأن ضعف بنية الرواية فذلك أمر يحتاج وحده لمقالة مطولة، وأنا لستُ من أهل الاختصاص. فلستُ سوى هاوية، والنقد بالنسبة لي هو مجرد رأي ورؤية خاصة.
لكن وحسب رأيي المتواضع ببناء الرواية وحبكتها، أقول أنها رواية ركيكة اللغة، أدبياً هي دون المستوى، إذ ليس فيها تعابير أدبية تحلِّق بكَ، لترسم من حولكَ عالماً يريد أي كاتبٍ أن يرسمه من حولك.
من ناحية التشويق، استخدمت الكاتبة لغة إنشائية، أشبه ما تكون بلغة تلميذة في الخامسة عشر من عمرها، تريد أن تروي قصة حبٍ، نهايتها سعيدة!.... وكفى.

وأخيراً وليس آخراً إن رواية تريد أن تقدم صورة مشرِّفة عن الإسلام يجب أن تكون على مستوى راقٍ من تقديم أفكار طرحها الإسلام من أجل رقيَّ الإنسانية... من أجل تحسين نوعية الحياة وتطويرها، وأيضاً من أجل إيجادِ حلولٍ موضوعية لمشاكل العصر.

على هامش المغالطات:
إن معتقدات وتديّن المقاومة وشعبها، قد قام على التعلق الشديد برسول الله (ص) وآل بيته الأطهار (ع) وهو أمرٌ أغفلته الكاتبة تماماً ولم تُشر إليه لا من قريب ولا من بعيد.

طوال السرد، لم تذكر الكاتبة أي طقوس أو شعائر دينية تُمارس في بيئة المقاومة. لم تُشر لا من قريبٍ ولا من بعيدٍ لأي مناسبات دينية لها جذورها المتشابكة مع جذور المقاومة وأساسها... كواقعة كربلاء مثلاً... أو مدرسة الحسين (ع).

إن الطوفان الذي خرجت بسببه البطلة ندى بحثاً عن ضيفتها المسلمة ريما في سوق بلدة قانا، إنما يدل على جهل الكاتبة حتى بجغرافية قرى الجنوب اللبناني. فأي طوفانٍ هذا الذي يمكن أن يحدث في قرى تمتد سهولها ووديانها على مدى الأفق.

لا محطات للباصات في قرى الجنوب، بل هناك وسائل نقل عشوائية لا أوقات محددة لها.

ضمن أحداث الرواية، كلما تقدم شاب لخطبة فتاة، تجهزت لموعد "الرؤية الشرعية"... في مجتمع المقاومة وشعبها في لبنان، لا عُرف اسمه الرؤية الشرعية، إنه أمرٌ غير شائع وغير ممارسٍ.

الكاتبة جاهلة حتى بالأسماء التي يطلقها الناس على أبنائهم، فمثلاً شاب من المقاومين اسمه أيهم!
أيهم اسم معروف في سوريا لكن في لبنان لا وجود له.

وأخيراً وليس آخراً، حسان يقول لخطيبته ندى: لبنان اشتاقت لكِ!
لبنان مذكر وليس مؤنث وهذا أمر يعرفه العالم أجمع.


نهاية العرض... إنها رواية ضعيفة لا تدل سوى على جهل لا بل على انعدام ثقافة الكاتبة حول المجتمعات وخاصة حول مجتمع المقاومة في لبنان.