بعد موت الكاتبة


ماتت الكاتبة... فتاه أبطال حكايتها في أروقة النهايات.
هذه خلاصة قراءتي لمسودة قصةٍ كانت تكتبها هديل قبل وفاتها.
فمَن هي هديل؟...
هديل أنثى خُلقتْ في محبرة، فكانتْ نقطة حبرٍ كونية، في عقلها نبعُ حكاياتٍ لا ينضب.
عرفتها خلال دراستها الجامعية، عندما زارتني للمرة الأولى في دار النشر، يسبقها عطرها وثقتها بنفسها، متأبطة ملفاً أحمر اللون فيه كتاباتها- لم يكن اختراع الكومبيوتر قد عُرف بعد. قدَّمته لي وعلى ثغرها ابتسامةَ الأقحوان، وفي عينيها... حقل قمح.
عشقتها... ولم أبح لها...

أنهتْ الماجستير تزامناً مع ولادة أول مجموعةٍ قصصية لها.
أقمتُ لها- برعاية دار النشر طبعاً- حفل توقيع لإطلاق كتاباتها وتعريف مجتمع الكتَّاب إليها. قبل ختام الحفل، طلبتُ يدها للزواج... فكانت هي عرس الأدب وعروسه.
أنجبت لي رامي الحبيب، نسخة مختلفة عنا كلانا، هو فارس العلوم بامتياز، أنهى دراسته الثانوية في لبنان، وحمل طموحه إلى بلاد الاغتراب.
أكتب هذا ودموع القلب تشارك دموع العين في التفجّع، فحبيبتي هديل أحبها الله فاستعادها... لا عجب، فهي ملاكٌ مكانها السماء.

ذات ليلةٍ من شهر نيسان/أبريل، وبعد سهرة عامرةٍ مع ولدي رامي العائد في إجازة إلى الوطن، زارتني في الحلم، كانت ترتدي الأبيض كما لو أنها ملاك. عاتبتني لأنني أهمل كتاباتها وأبطال حكاياتها! وقالت قبل أن تغيب عن ناظري: أبطال حكاياتي في عهدتكَ الآن...
استفقتُ وما زال عبير عطرها يتضوع في الغرفة... تلك الليلة تحديداً قررتُ أن أفتح اللابتوب خاصتها، وكانت تلك المرة الأولى التي أقحم فيها نفسي بخصوصياتها.
أشغلته وانتظرتُ... نورٌ ساطعٌ أضاء عتم الغرفة، ثم!... يا إلهي ما هذا!؟
وجه رجلٍ في الشاشة تنفس الصعداء وقال: أخيراً... كدتُ أموت اختناقاً.
نظر إليَّ وكأنه استهجن وجودي وقال: لكن!... مَن أنت؟
كادتْ المفاجأة تقضي عليَّ، كنتُ على وشك الموت رعباً... ربتَ رامي على كتفي وقال: اهدأ يا أبي... لا تخف... لقد سبق أن طورتُ اللابتوب لأمي...
أعطاني كوب ماءٍ وقال للرجل في الشاشة: حسناً يا عزيزي... مَن أنت؟
أجاب الشاب: بل مَن أنت؟... وأين هديل؟
شتمته وقلت: وما شأنكَ بزوجتي؟... مَن أنت؟
جلس الشاب على حافة الشاشة وقال بهدوء: اهدأ يا رجل... فهمتَ الموضوع بشكلٍ خاطئ، هديل كانت تكتب قصتي وتركتني في... المتاهة... أين هي؟
بكيتُ وأنا أقول: لقد توفيت...
صعق الشاب وأجاب: لا!... لا يمكن أن أصدق!... متى حصل ذلك؟
أجاب رامي: منذ ستة أشهر...
ضرب الشاب ورأسه وأجاب: وماذا سنفعل نحنُ في المتاهة؟... فكلنا ينتظر هديل لترسم له سبيل الوصول إلى النهاية!؟
نظرتُ إلى ولدي رامي وقلت: أصبحتُ عجوز خرف أليس كذلك؟... فهذا الشيء ليس إلا وهماً أراه وحدي؟
ربت رامي على رأسي وأجاب بحب: بل أنتَ في كامل قواكَ العقلية يا أبي، وهو فعلاً موجود وأنا أراه وأسمعه مثلك تماماً.
تابع رامي موجهاً كلامه للشاب في الشاشة: حسناً... هل يمكن أن تشرح لي ما هي هذه المتاهة؟... وما شأن أمي الحبيبة بها؟
ابتعد الشاب عن الشاشة أشار بيديه الاثنتين وقال انظر لترى...
تمددتْ الشاشة أمامنا كما لو أنها سجادة ضخمة، فبانت لنا عليها متاهة عملاقة، في داخلها بضعة أشخاص!
أكمل الشاب: نحن مجموعة أشخاصٍ كانت هديل تكتب حكاياتنا، ولكنها لم تنهيها... وإن لم تصل هذه القصة إلى خواتيمها، فلن يجد أي منا طريق الخروج مِن هنا... سندور في المتاهة إلى الأبد.

بعد حديثٍ غرائبي، بالكاد كنتُ أستوعبه، كان عليَّ أن أجد نهاية للقصة، كي يخرج الجميع من المتاهة. بشرط!... أن تكون النهاية أقرب ما تكون لأسلوب هديل وقناعاتها في وضع النهايات!
لم أفهم جدوى ذلك... ولم أفهم كل ما كان يحصل، لكنني أردتُ مساعدة رامي وهذا كل شيء.

وهكذا بدأنا:
كتبت هديل...
مساء يومٍ قارص البرودة من شهر ديسمبر/كانون، وكان قد مضى أسبوع على وفاة شقيقتي الصغرى هاجر سلمني زوجها اللابتوب الخاص بها ومعه مظروف كتبتْ عليه "إلى شقيقي...".
داخل المظروف ورقة بيضاء... "وحدكَ مَن يُسمح له بفتح اللابتوب... الباسوورد هي...".
كان زوجها مذهولاً، وكأنه منوَّم مغناطيسياً. أحزنه أن يرى خط يدها للمرة الأولى (هو فعلياً ليس خط يدها، فأنا أعرف خطها جيداً)، وكأنها لم تكن زوجته هو!
قال مستاءً: ما معنى ذلك؟... ما معنى أن...!؟
أخفيتُ قلقي من الموضوع وأجبت بهدوء: أنتَ تعرف إنها كانت تطلب مساعدتي في كل ما له علاقة باللابتوب ومشاكلها في استخدامه...
فقال: على العموم ها قد أحضرتُ لكَ اللابتوب كما أرادت هي... و...

توقفت هديل هنا عن الكتابة.
فسألتُ الشاب: حسناً يا بني، مَن أنتَ زوج هاجر أم شقيقها؟
فأجاب: أنا زوجها... وكنتُ أريد أن أعرف ماذا عليَّ أن أفعل؟... لماذا لم تكن زوجتي تثق بي!؟
حككتُ رأسي وقلت: حسناً أنتَ وحدكَ مَن يعرف لماذا؟ ألم تكونا على وفاق؟
أجاب الشاب: لم تكن هديل قد وضعت بعدُ شكلاً لعلاقتنا!
فقلت: حسناً... فلنحاول معاً...
حسب معرفتي بزوجتي، فهديل لا يمكن أن تكتب شيئاً لا قيمة سردية له... مثلاً... زوجتك وثقت بشقيقها فقط وأعطته باسوورد اللابتوب... هذا معناه أنها لم تكن تثق بك!... أو أنها كانت تخفي عنكَ أمراً.
أجاب بسرعة: لكن زوجتي كانت تثق بي جداً، فأنا كنتُ أستاذها في الجامعة.
قاطعنا رامي وقال: لحظة... أمي هنا كتبت على هامش قصتكَ انكَ ستزور طبيباً بعد شهر!.
أجاب الشاب: لم أكن مريضاً.
فقلتُ: دعنا نجرب يا بني... استعد للخروج من المتاهة.
استعد الشاب... فتابعت: زرتَ طبيباً لأنكما لم تنجبا بعد...
ازداد توغل الشاب في المتاهة، وقال مستاءً: لا... ليس هذا!.
قال رامي: زرتَ طبيباً كي تطمئنَ على صحة والديك...
لم يتحرك الشاب... فحرَّك رأسه مستاءً.
فجأة خطرت لي الفكرة فقلت: هديل كانت تقرأ كثيراً في علم النفس، فلعلكَ كنتَ تحتاج لطبيبٍ نفسي...
تحرك الشاب مِن مكانه، وكأن يداً نقلته إلى الجهة الأخرى من المتاهة، جهة أقل تعقيداً.
صفق بفرح وقال: هيا... هيا يا سيد حاول بعد، لعلنا اقتربنا.

لكننا لم نعرف النهاية إلا بعد يومين... فجأةً عرفتُ السر!
لم تكن زوجة الشاب متوفاة!
وجدتُ في زاوية معتمة مِن المتاهة امرأة شابة وقد تلقتْ ضربة على رأسها!
عندما سألتها عن هويتها قالت: أنا هاجر زوجة خالد... المعتوه ضربني على رأسي... وها أنا...
نظرت إلى يديها وتابعت: لقد جمد الدم في شعري.
سألتها مجدداً: ابنتي أخبريني ما الذي حصل؟
نظرت إليَّ بتساؤلٍ وقالت: مَن أنت؟ وأين هديل؟ لماذا تركتني وأنا في هذا الوضع!؟
ضربتُ على رأسي وقلت: وهل أنتِ أيضاً تحتاجين لنهاية كي تخرجي من المتاهة!؟

حسناً، فهمتم بالتأكيد. هاجر كانت زوجة خالد بطل هذه الحكاية.
إذن، فلنحاول مجدداً...
جمعتهما بعد أن أفهمتُ الزوجة ما يجب عليها أن تفعل، وقلت: هيا يا ابنتي أخبريني ماذا حصل في تلك الليلة؟
أجابت: حسب ما أذكر كان عليَّ أن أواجه خالد لأخبره أن صديقه المزعوم لا وجود له!... وانه واهم!.
صرخ بها: لا لم أكن واهماً... فقد كان صديقي معجباً بك جداً، ويحسدني لأنكِ تزوجتني.
نظرت إليَّ وقالت: أرأيت!؟... ألم أقل لكَ انه معتوه!
سألها رامي: اللابتوب يا هاجر... لماذا أرسلتِ اللابتوب لشقيقك!؟
أجابت هاجر باستنكار: لم أرسل شيئاً لمازن...
وهكذا كان علينا أن نبحث عن الشقيق...
وجدناه بعد أسبوع، كان عائداً من دولة أجنبية حضر فيها مؤتمر طبي.

لا داعي لتكرار المكرر، هو أيضاً طالب بإخراجه من المتاهة.
عندما أخبرناه بما حصل صاح بأسى: المعتوه أما زال يعذبها بخيالاتك... أحضر لي اللابتوب خاصتها وادعى أنها توفيت- لا سمح الله.
صرخت أنا بفرح: إذن... خالد أنتَ كنتَ مريضاً بالوهم، وكان عليكَ أن تزور طبيباً نفسياً!
تحركت جدران المتاهة، فانضم مازن إليهم، قبَّل شقيقته وقال:
عرفت انه معتوه!... فهديل عندما ذكرت خطوط شخصيتك لم تذكر موتك!
ما زال بعض الأشخاص متفرقون في الزوايا... لكن بعض جدران المتاهة بدأت تختفي...
صاح خالد: هيا... هيا... لم يبقَ الكثير... فكر بعد يا سيد...
قلت: أبلغت هاجر مستشفى المجانين عن زوجها المريض!
قالت هاجر: هديل لم تكن لتقول عن مستشفى الأمراض النفسية أنها مستشفى للمجانين.
قال رامي: حسناً هاجر... كنتِ ستتصلين بطبيبٍ في المصحة ليجد لكِ حلاً مع زوجكِ المريض!
أيضاً لم يتحرك أحد... فقلتُ لمازن وقد هدَّني التعب:عندما أحضر لكَ اللابتوب، عرفتَ انه لا شك يهذي، فشقيقتكَ لم تمت... لذا...
بدأت الجدران مِن حولهم تتحرك... فتابعت: لعلكَ أغلقت عليه باب الغرفة، لتتصل بإسعاف المركز الطبي!
لم يتغير شيء في خارطة المتاهة. لكن مازن لمح من بعيد امرأة كانت تنام في ال "ريسايكل بن"... صاح بها: ريمااااااااااااا...
استفاقت بصعوبة وأجابت: أخيراً عادت هديل، اعتقدتها نسيتني في الحاوية...
نظرت إلينا باستغرابٍ وقالت: مَن أنتم!؟
صرختُ بذعر: لا يا إلهي!... ليس مجدداً...
أبعدني رامي عن الشاشة وقال: استرح أبي ودعني أحاول مساعدتك... توجه بكلامه إلى ريما وقال: سيدتي الفاضلة هلاَّ أخبرتني رجاءً، ماذا كنتِ تفعلين في الحاوية؟
أجابت: كن مؤدباً معي أيها الشاب... أنا كنتُ في ال "ريسايكل بن" هناك فرق.
قال بتهذيب: آسف سيدتي، سامحيني رجاءً... ماذا كنتِ تفعلين في ال "ريسايكل بن"؟
أجابت بغضب: فجأة جُنت هديل ورمتني هناك... لكنها قبل غيابها الطويل... وعدتني أن تعيدني إلى الحكاية.
أجاب رامي بسأم: وما كان دورك؟
حكت رأسها مفكرة وأجابت: أعتقد أنها أرادتني أن أحضر العصير للضيف... خالد أقصد... هذا المعتوه لطالما زارني في الصيدلية وطلب أدوية غريبة لا يجب أن يتناولها.
هنا صرختُ أنا متدخلاً: إذن كنتِ صيدلانية وتعرفين بتركيب الأدوية؟
أجابت بسأم: أجل... ولما الاستغراب!؟ ألا أشبه...
قاطعتها وقلت: لا... لا... لم أقصد هذا... أٌقصد أنتِ صيدلانية، وطلب منك زوجكِ إحضار العصير لخالد؟
أجابت: نعم... هذا قبل أن ترميني هديل في ال...
أجاب رامي: في الريسايكل بن... فهمنا. لكن أمي أرادت إعادتك؟
قالت المرأة: إذن أنتَ ابن هديل؟... يا لكَ من شابٍ جميل.
صُعِق زوجها وقال: ريما... ما رأيكِ أن أعيدكِ إلى الحاوية؟
ضحكت المرأة وأجابت: إن لم أخرج أنا من الحاوية، لن تخرجوا جميعكم من المتاهة!
قلتُ قبل أن يحتد النقاش ونخسر الوقت: إذن أنتِ وضعتِ منوماً في عصير خالد؟
أجابت: ربما...
تحركت جدران المتاهة، ولم يبقَ إلا مَخرجين، وراء أحدهما ينام شابٌ وفي يده هاتف جوال... وشاب آخر ينام داخل الإسعاف!
أخذت زجاجة الماء البارد من أمامي، ورشقتهما به. استفاقا مذعورين، صرخ الشاب داخل الإسعاف: هل حان الوقت... هيا... أنا...
نظر إلى رفيقه ثم نظرا معاً إلينا وقالا بصوتٍ واحد: مَن أنتم!؟

بعد جهدٍ جهيدِ، وصدٍّ ورد، فهمنا الحكاية.
الشابين كانا طبيبٌ نفسي وسائق إسعاف، مستعدين لتلقي هاتف... ليُحضرا المريض إلى المركز!
لكن!... هاتف مَن؟... مَن كان سيتصل بالطبيب النفسي!؟
قال رامي: طبعاً الدكتور مازن!
لا... لم يتحرك شيء.
أكمل وقال: إذن... أنتِ ريما كنتِ ستتصلين بالطبيب، فهو كان ينتظر اتصالك!
أيضاً لم يتحرك شيء.
قلتُ متعباً وبالكاد يُسمع صوتي: هاجر اتصلت بالطبيب.
هيا... هيا... لم يبقَ إلا القليل. صاح مازن.
فقلت: كانت شقيقتكَ تعرف بمرض زوجها، وسبق أن حدثتكَ بالموضوع...
سمعنا أصوات جدرانٍ تتباعد قليلاً...
تابعت متوجهاً إلى هاجر: سيدتي أنتِ لاحظتِ أن خالد قد أخذ اللابتوب خاصتك...
الجدران تبتعد أكثر فأكثر عن المجموعة... فصرخت هديل: أجل... أجل... أكمل أرجوك...
فقلت: اتصلتِ بشقيقك وأخبرته. ولأنه لم يكن يصدقك مسبقاً فقد صعق بفعلة خالد.
بقي جدار واحد لم يُفتح في المتاهة، فصرخ خالد: تابع... أرجوك تابع...
فقلت: لكنكِ كنتِ قد أخبرتِ ريما وصدقتك... وهكذا... ريما وضعت منوماً في العصير... وأنتِ اتصلتِ بالطبيب...
بدأت بقية جدران المتاهة تتباعد فقال رامي: كان الطبيب النفسي قريبٌ لكِ سيدتي...
توقفت المتاهة عن التحرك! فقلت فوراً: لعله كان زميل دراسة!؟
فُتِحت جدران المتاهة، وعم النور في أرجاء العتم.

تنفس الجميع الصعداء، ورقصت هاجر والطبيب النفسي فرحاً. أما خالد فقد قفز إلى موقع يهتم بعلم النفس.
ريما ركضتْ بعد أن لاحظت صف طويل من البشر يقف أمام باب الصيدلية.
أما مازن فقد حيانا بلباقة وقال بلهجةِ الآسف: الكورونا!!!!... كونا على حذر.
ودخل في الإسعاف إلى جانب السائق.

قلتُ لرامي: أنا متعب جداً... وأريد أن أنــــــــــــــــــام.
قبَّل رأسي وقال: اذهب للنوم أبي، وأنا سأتكفل ببقية ملفات أمي.



 Images rights are reserved to their owners


 



 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ماذا لو ظهر آدم؟

 
كبرت... أصبحتُ امرأة طاعنة في "الاشتباك".
كنتُ أزداد "اشتباكاً" مع الحياة وفيها، كلما طعنتْ في ألاعيبها.
أما طفلة الحرب داخلي، فلم تغادر صباها، الذي تفتح على تلك الشرفة، حيث راودها آدم، وأهداها أحلام العذارى.
بلغتْ الصبية داخلي، عتياً في الندم... وقررتْ أن تبحث عن آدم (ها)!
كنتُ لها بالمرصاد!... قررتُ أن أظهر لأواجهها، بعد طول غياب!

حسناً... ها أنا ذا يا بنيتي...
على مرَّ الزمن ومُرِّهِ، تركتكِ تخوضين حروبكِ وحيدة، تواجهين وتختبرين نيران الخذلان والغدر والخيانة، تتلقين لدغات "مختلي العقول" ومشوهي المشاعر، في كلِ مكانٍ وزمان.

لكن!... مهلاً أيتها الطفلة الطاعنة في سذاجتها.
تريدين البحث عن آدم (كِ)!؟
فماذا لو ظهر آدم؟...
وفي معصميه قيودَ زواجٍ، وجسدٍ متهالكِ تحت أقدامِ شظف العيش فوق فوهة بركانٍ أسموه... وطن!

أو... حاملاً على كاهله وزرَ غربةٍ أسسها في بلاد الثلج، وسريرَ غريبةٍ أهدته حضنها، يومَ فرَّ من ملاجئ لبنان، وقد حزم نزيفه مع صورة عتيقةٍ لوالديه!

ماذا لو ظهر آدم؟...
مطبِلاً لزعيمٍ نهب الوطن. بين الفينة والأخرى يرمي لـ "أزلامه" فُتاتْ موائده! أو... ناعقاً في بوق الطائفية والمذهبية!


ماذا لو ظهر آدم؟...
حقاً يا فتاة... ماذا لو ظهر آدم؟...
فكان في خُلقهِ وأخلاقهِ... صفات كل الذكور الحاملين في جيناتهم، همجية الأجلاف!


ماذا لو ظهر آدم؟...
لكنكِ... لستِ أميرة أحلامه!

يا طفلة الحرب... أفيقي من سبات الأحلام... فالذكرياتُ رائعة لأنها معتقة في خوابي الماضي... ويجب أن تبقى.



عزيزي آدم...
يا صاحب الطيف الأجمل...
الغائب/ الحاضر... الذي هو في غيابه، أكثر حضوراً في روحي من الجميع.
لعلنا نلتقي على قارعة صدفة... ولعلنا لا...
لكنكَ ستبقى في ذاكرتي، الماضي الأجمل.


 Images rights are reserved to their owners