آخر الزمان

 

عاث البشر فساداً في الأرض، دمروها بعد أن أصلحها الله، وأقاموا على أنقاضها غاباتٍ افتراضية، تديرها عقول فولاذية.

ضجت الأرض بما حملت، ابتلعت نفطها انتقاماً، وتقيأت براكينها لتحرق  الأخضر واليابس تحت أقدام "الكائن الكافر" الذي أوجده الله على ظهرها. انتقمت الأرض لثرواتها، وخلفت "الكائن الطفيلي" أشبه بالسباع، يفترس بعضه بعضاً ليُشبع جوعه.

في دولة "عجبستان"، لم يعد للزعماء من وسيلة للتنقل سوى... ظهور المقهورين الفقراء من الشعب المستلب قراره. كان الفقير يبيع ظهره للزعيم يركبه من أجل حضور الاجتماعات التي ترسخ أحقيته بركوب "ظهور الناس"!

"مظلوم البغل" كان الوحيد في تلك البلاد الذي لم يبع ظهره بعد للزعيم، فظهره اعتاد على حمل الصعاب والأهوال، لكنه يرفض أن يحمل (......) كلمة لم يعد ينطقها أمام زوجته المدافعة الشرسة عن الزعماء، فهم "تاج راسنا يا بغل"... يحتد عليها "مظلوم البغل" ويشتم سلالتها المنحدرة من شياطين الساحر "سام"، ويكيل السُباب المقذع لأجدادها أزلام السفارات.
وتستمر مباراة الشتائم بينهما، إلى أن يخلع "البغل" نعله ويضربها وهو يزعق: ولك يا بنت (الـ....) افهمي... أنا اسمي بغل لأني قوي مش لأني "بلا فهم" متل أبوكِ...
ويستمر بضربها إلى أن تقبِّل يده وتطلب السماح، فيتركها.


زاره في الحلم والده، كان يحمل بيده سوطاً، طرقه أمام رأس مظلوم وقال: يا ابني يا مظلوم... اسمعني منيح.
انتبه مظلوم لوالده وقال فزعاً: خير يا بيي شو في؟
أشار الوالد بيده وقال: شوف يا مظلوم ماذا حصل لبائعي ظهورهم للزعماء والحُكَّام.

نظر مظلوم البغل إلى البعيد، فرأى جحافل من الكائنات ظهورها محنية، تأكل كالبهائم، كلما حاولت رفع ظهورها، نزل عليها غضب السياط.
فأكمل والده: إذا سمعت كلمة مرتك "الهبلة" وبعت ظهرك للزعيم رح ارجعلك واجلدك.
أجاب مظلوم بوجل: والله يا بيي ما عم طاوعها... والله ما رح طاوعها.
استفاق من نومه مذعوراً، وانهال على زوجته ضرباً، وهو يقول: ظهري ما رح بيعوا... ما رح بيعوا.

... وطال زمن الفاقة، والجوع بدأ يقطِّع أوصال الحياة، وأتى حينٌ من الدهر اضطرت الدول خلاله لاستخدام "الدواب" لنقل الأمتعة والمواد الغذائية... ونقل كل ما يتعلق بمعيشة الناس.

ذات ظهيرة خانقة، وأشعة الشمس ترسل لهيب أشعتها على الأرض، كان "مظلوم البغل" يحاول أن يجد في الحقل أي شيء ليأكله، وإذ بأحدهم يجر حماراً على ظهره حمولة من الشعير، كان ينظر إليه "مظلوم البغل" بحسد، فأقله بعد وصوله إلى الزريبة سوف ينال قليلاً من العلف. وإذ!... تهالك الحمار وبَرَك على الأرض لشدة تعبه، زعق به صاحبه "مقهور الدب"، فلم يستجب.
تقدم "مظلوم البغل" منه وقال له: حرام شكله تعبان.
فأجاب "الدب": لكن الحِمل الذي يحمله يجب أن يصل إلى قرية (....) ففيها أطفال يكادون يموتون جوعاً.
فأجاب مظلوم البغل: إن حملتُ لكَ الحِمل هل تعطيني مقداراً من الشعير يكفيني وزوجتي؟
ابتسم "الدب" وقال: أقبل.

عندما روى لزوجته ما فعله، سخرت منه وأجابت: أجَّرت ظهرك ليحمّلوا عليه شعير؟ ورفضت تبيع ظهرك للزعيم اللي رح يطعمك لحم؟... عن جد انك بغل.
انهال عليها ضرباً بحبلٍ كان في يده وقال: باكل شعير، بس ما ببيع ضهري لزعيم.



Images rights are reserved to their owners


العيد أنتِ ماما


تلام المرأة عادة في مجتمعاتنا العربية
في حال كانت أكثر "خلفتها بنــــــات"
مســـــــــــــــــــــــــــكينة أمــــــــــــي
فهـــــــــي منذ أزمــــــان وأزمـــــــان
تواجــــه المجتمع بفعلتهــــا الشنيــــعة
فقد أنجبت صبيـــاً واحداً هو... عصام
وقبيـــــــلة "بنــــــــــــات" هي لينــــا.

لكنها عظيمة بصبرها على هذه
القبيـلة المجنـــــونة المسكــــونة 
بــــــــكل تناقضــــات الدنيـــــــا.


يـــــا أروع أم عرفتها أنوثتي الثـــائرة
على كـــــــل تقـــــــــــــاليد المجتمـــع
الذي مــــــــا زال في معظم الأحيــــان
{يســــــوّد وجــــــهه وهو كظيـــــــم}
كلمـــــــــــــــا بُشِّــــــــــر ببنــــــــــت.


 

 Image rights are reserved to the owner


هارمونيكا


قضت جائحة كورونا على الكثير من أساليب عملنا، فمنذ حوالي الثلاث سنوات تعمد المدارس إلى التعليم عن بُعد أو التعلم المدمج، وذلك بهدف أن تحّد من انتشار هذه الجائحة المخيفة.

هاجر ... معلمة موسيقى في مدرسة خاصة. بطبيعة الحال توقفت عن إعطاء الدروس عن بُعد لأنه أمر صعب، ليقتصر الأمر على إرسال بعض المقطوعات الموسيقية للطلبة، حفاظاً على الذائقة الفنية لديهم.
لكن هذا العام، والحمد لله، استطاع القطاع التعليمي أن يعود لفتح أبواب المدارس، رغم كل الصعاب.

لاحظت أن طفلاً في العاشرة من عمره، يبدو أنه تلميذ جديد في المدرسة يهرب أحياناً من الصف ليختبئ في غرفة الموسيقى، كان مولعاً بالموسيقى وبالهارمونيكا.
كان مغترباً، وهو في الوطن مجدداً مع والده كابتن الطائرة، والدته أجنبية... ووالداه منفصلان. يهرب من دروس اللغة العربية لأنه لا يجيدها. هذا ما عرفته عنه... عن يوسف أو جو كما كان يُحب أن ينادوه.
يدخل إلى غرفة الموسيقى... يلقي التحية على هاجر، ينزع كمامته ويبدأ العزف على الهارمونيكا خاصته التي يحملها دائماً.
شيءٌ في عينيه مميز، عيناه!... يا الله ما أجملهما، تشعرانها بالحنين إلى زمنٍ مضى. يوم كانت مراهقة "قبيحة" في المدرسة، وكانت متيمة ب "ناجي" الشاب الجميل شاغل البنات.

علاقة مميزة ربطت بينها وبين الطفل جو، كانت تعشقه، وكان مولعاً بها، يقضيان كثيراً من الوقت في غرفة الموسيقى، يتحادثان ويعزفان الموسيقى. شهورٌ مضت... هاجر تعطيه حناناً فيبادلها الحنان والمحبة. مضت الأيام ولم يخطر لها يوماً أن تسأل عن اسمه الكامل، كان بالنسبة لها جو... وكفى.

يوم المعلم- 9 آذار/مارس... كانت هاجر قد أعدت برنامجاً فنياً لفرقة المدرسة، سيعزف أطفال الحلقة الأولى الموسيقى بحضور ذويهم. جو كان في مقدمة الفرقة.
فوجئت به قبل الختام، يتقدم إلى الميكروفون ويقول بلغته العربية المكسرة: هذه المعزوفة مهداة إلى معلمتي الحبيبة مس هاجر.
عزف مقطوعة "الراعي الوحيد" التي ألفها جيمس لاست، وقد اشتهرت بعد أن عزفها الفنان الروماني جورج زامفير.
ترقرق الدمع في عينيها وهي تسمعه... إنها مقطوعتها المفضلة.
وهي تصفق له بعد انتهاء عزفه، سمعت صوتاً وراءها يقول: عفواً مس هاجر...
رأته وراءها، يقف شامخاً على وجهه ابتسامة مشعة، وفي يديه باقة ورد.
يا إلهي... كاد أن يغمى عليها من المفاجأة!
جو ابنه هو... ابن حبيبها ناجي، الشاب الجميل الذي كان شاغل عقول البنات في المدرسة الثانوية!
ذُهِلت وهو يقول: هاجر!... يا له مِن زمنٍ طويل يا رفيقتي... هل تذكرين أيام المدرسة؟
"ماذا؟!... أتمزح؟... وهل أذكر غيرك!؟".
ابتسمت بخجلٍ لتخفي توترها وأجابت: ناجي؟... لم أكن أتوقع انكَ ما زلتَ تذكرني!
أجاب وهو يقترب منها قليلاً: لا تخبري أحداً... لكنني كنتُ أهابكِ وأحترمكِ لدرجة أنني كنتُ أخاف عليكِ من شقاوتي في ذلك الزمن.
فجأة!... صرخ الشقي الصغير بلكنته العربية الممزوجة بالإنكليزية: مس هااااااجر... كل عام وأنتِ بألف خير يا معلمتي الجميلة.
وضعت باقة الورد جانباً، وحضنته وهي تقول: وهل في الدنيا أجمل منكَ يا حبيبي.

  

 

 Images rights are reserved to their owners