هارمونيكا


قضت جائحة كورونا على الكثير من أساليب عملنا، فمنذ حوالي الثلاث سنوات تعمد المدارس إلى التعليم عن بُعد أو التعلم المدمج، وذلك بهدف أن تحّد من انتشار هذه الجائحة المخيفة.

هاجر ... معلمة موسيقى في مدرسة خاصة. بطبيعة الحال توقفت عن إعطاء الدروس عن بُعد لأنه أمر صعب، ليقتصر الأمر على إرسال بعض المقطوعات الموسيقية للطلبة، حفاظاً على الذائقة الفنية لديهم.
لكن هذا العام، والحمد لله، استطاع القطاع التعليمي أن يعود لفتح أبواب المدارس، رغم كل الصعاب.

لاحظت أن طفلاً في العاشرة من عمره، يبدو أنه تلميذ جديد في المدرسة يهرب أحياناً من الصف ليختبئ في غرفة الموسيقى، كان مولعاً بالموسيقى وبالهارمونيكا.
كان مغترباً، وهو في الوطن مجدداً مع والده كابتن الطائرة، والدته أجنبية... ووالداه منفصلان. يهرب من دروس اللغة العربية لأنه لا يجيدها. هذا ما عرفته عنه... عن يوسف أو جو كما كان يُحب أن ينادوه.
يدخل إلى غرفة الموسيقى... يلقي التحية على هاجر، ينزع كمامته ويبدأ العزف على الهارمونيكا خاصته التي يحملها دائماً.
شيءٌ في عينيه مميز، عيناه!... يا الله ما أجملهما، تشعرانها بالحنين إلى زمنٍ مضى. يوم كانت مراهقة "قبيحة" في المدرسة، وكانت متيمة ب "ناجي" الشاب الجميل شاغل البنات.

علاقة مميزة ربطت بينها وبين الطفل جو، كانت تعشقه، وكان مولعاً بها، يقضيان كثيراً من الوقت في غرفة الموسيقى، يتحادثان ويعزفان الموسيقى. شهورٌ مضت... هاجر تعطيه حناناً فيبادلها الحنان والمحبة. مضت الأيام ولم يخطر لها يوماً أن تسأل عن اسمه الكامل، كان بالنسبة لها جو... وكفى.

يوم المعلم- 9 آذار/مارس... كانت هاجر قد أعدت برنامجاً فنياً لفرقة المدرسة، سيعزف أطفال الحلقة الأولى الموسيقى بحضور ذويهم. جو كان في مقدمة الفرقة.
فوجئت به قبل الختام، يتقدم إلى الميكروفون ويقول بلغته العربية المكسرة: هذه المعزوفة مهداة إلى معلمتي الحبيبة مس هاجر.
عزف مقطوعة "الراعي الوحيد" التي ألفها جيمس لاست، وقد اشتهرت بعد أن عزفها الفنان الروماني جورج زامفير.
ترقرق الدمع في عينيها وهي تسمعه... إنها مقطوعتها المفضلة.
وهي تصفق له بعد انتهاء عزفه، سمعت صوتاً وراءها يقول: عفواً مس هاجر...
رأته وراءها، يقف شامخاً على وجهه ابتسامة مشعة، وفي يديه باقة ورد.
يا إلهي... كاد أن يغمى عليها من المفاجأة!
جو ابنه هو... ابن حبيبها ناجي، الشاب الجميل الذي كان شاغل عقول البنات في المدرسة الثانوية!
ذُهِلت وهو يقول: هاجر!... يا له مِن زمنٍ طويل يا رفيقتي... هل تذكرين أيام المدرسة؟
"ماذا؟!... أتمزح؟... وهل أذكر غيرك!؟".
ابتسمت بخجلٍ لتخفي توترها وأجابت: ناجي؟... لم أكن أتوقع انكَ ما زلتَ تذكرني!
أجاب وهو يقترب منها قليلاً: لا تخبري أحداً... لكنني كنتُ أهابكِ وأحترمكِ لدرجة أنني كنتُ أخاف عليكِ من شقاوتي في ذلك الزمن.
فجأة!... صرخ الشقي الصغير بلكنته العربية الممزوجة بالإنكليزية: مس هااااااجر... كل عام وأنتِ بألف خير يا معلمتي الجميلة.
وضعت باقة الورد جانباً، وحضنته وهي تقول: وهل في الدنيا أجمل منكَ يا حبيبي.

  

 

 Images rights are reserved to their owners

 

 

 

 

4 comments:

  1. الله الله مااجمل الصدف حينما تعيد ماضي جميل

    ReplyDelete
    Replies
    1. فعلاً... ما أجمل الصدف، دائماً تعيد لنا أجمل الذكريات.

      Delete
  2. الله الله ماأجمل الصدف حينما تعيد جزءا من الماضي الجميل

    ReplyDelete
    Replies
    1. جزيل الشكر على زيارتكم الكريمة للمدونة.
      تقديري ومودتي

      Delete