القانون رقم 522


حالكٌ عتم هذا الليل من حولها، هي طفلة الخمسة عشر ربيعاً،
المولودة في جرود جبال معتَّقة القساوة، ما زال الجهل يتخمَّر في زواياها منذ آلاف العصور. سجينة حُكمٍ أبديّ هي، فمنذ أن وعتْ طريقها، حكم عليها والدها بأن تكون مرسال الغرام بينه وبين خمَّارة آخر الجبل! فكانت المسكينة تخرج كل ليلة مهما اشتدت قساوة الطقس، لتحضر زجاجة شرابٍ غريبٍ يجعل والدها في قمة الجنون والغرابة، فمرة يضرب زوجته وأولاده لأغرب الأسباب! وأحياناً يسجن الأبناء في غرفة ويلقي بنفسه فوق والدتهم التي تبدأ بالصراخ والشتائم، وهم في سجنهم خائفون ترعبهم صورة أمهم التي تُقتل على مسمع منهم!
كفتْ هي عن تصور أمها ميتة منذ أن أفهمتها صديقتها حقيقة ما يفعله والدها، وكيف انها بسبب هذا الفعل الموجع تنجب المزيد والمزيد من الأطفال. وهكذا كانت كلما وجدت نفسها سجينة الغرفة مع أشقائها التسعة، تعمل جاهدة على مسح دموعهم مطمئنة إياهم بأن والدتهم سوف تكون بخير.
وها هو يتمادى في جنونه، فقد أصبح لا يتوانى أن نزعها عنوة من فراشها في منتصف الليل لإرسالها إلى الخمارة كي تأتيه بشراب الجنون خاصته.
نظرت حولها بهلع! يا الهي ما أحلك هذه الظلمة حولها، تكاد أن لا ترى طرف أنفها لشدة الظلام. وصلت إلى الخمارة وهي ترتجف برداً وذعراً. رائحة كريهة تفوح في المكان، والرجال مكدسون فوق بعضهم البعض، منهم نائم، ومنهم من يتكلم دون انقطاع، والكل يمسك بيده كأساً من شراب الجنون الذي يتناوله والدها.
يدٌ غدارة أتت من لا مكان وسحبتها إلى زاوية مظلمة، وأخذت ترفع عنها أثوابها بقسوة وعنف مرعب. بدأت بالصراخ، لكن اليد الحديدية كمتْ فمها، وحاوطتها بقسوة، ثم ارتمى عليها جسد هائل ذو رائحة كريهة، شعرت وهي سجينة تحته وكأنه يطحن عظامها طحناً. انتفض قلبها مرعوباً! ان الجسد النتن يفعل بها ما يفعله والدها المجنون بأمها!

علت من حولها أصواتٌ جهورية صارخة، أصوات رجال يبدون بكامل قوتهم، بعكس هؤلاء الأنذال المتراكمون كالقمامة فوق بعضهم في هذا المكان الموبوء. رفعت رأسها فوجدت فوقها رجل يحمل مسدساً بيد وبيده الأخرى يمسك بالحيوان الذي ارتمى فوقها! وصرخ الرجل: من هنا... تعالوا... لدينا حالة اغتصاب!.

كان الطبيب في المركز الصحي يفحص جسدها عضواً عضواً، وهو ينظر إلى الممرضة المرافقة له، نظرة غامضة، فتطلق هذه الأخيرة شتيمة كلما التقت عيناها بعينيّ الطبيب.
أنهى الطبيب فحصه وخرج، غطتها الممرضة بالأغطية وهي تقول: لا تخافي يا صغيرتي... لقد أصبحتِ في أمانٍ الآن.
عن أي أمانٍ تتحدث هذه المرأة!؟ بطنها سوف ينتفخ كأمها... وستنجب طفلاً بعد أن تملأ الدنيا بصراخها من شدة الوجع! وسيكون طفلاً معذباً باكياً مثلها ومثل أخوتها.

مرَّ النهار بطوله دون أن ترى أحداً باستثناء الممرضة اللطيفة. كانت هذه الأخيرة تعتني بها، أحضرت لها طعاماً وماءً نظيفاً في كوب، وأعطتها حبوباً جعلتها تشعر بالنعاس وتنام رغم الذعر الرابض في قلبها.
هبط الليل الحالك من جديد، والذئاب كانت تعوي بشدة تماماً مثل عوائها ليلة أمس وهي سجينة تحت جسدٍ نتنٍ مجنون.
دخلت والدتها حمراء العينين من شدة البكاء، ضمتها إلى صدرها وبدأت تنشج بقوة، وجدت نفسها تشارك والدتها البكاء والعويل. كفكفت الأم دموعها، وانقلب حالها فجأة! فتحولت إلى نمرة شرسة غاضبة، انهالت على الفتاة الصغيرة بالضرب والشتائم، وهي تبكي وتصرخ وترجوها أن تصدقها بأنها لم تفعل شيئاً. لكن والدتها لم تتوقف عن ضربها. تدخلت الممرضة وأبعدتها عن الطفلة وهي تصرخ: متخلفة وحيوانة أيضاً.

أعطتها الممرضة المزيد من حبوب الدواء، ومرَّ عليها الوقت وهي بين الصحو والمنام، تسرقها من إغفاءتها كوابيس مرعبة، عن رجل رائحته نتنة يرتمي عليها، ثم تأتي والدتها وبيدها سكين طويل تغرزه في قلبها وهي تردد: عاهرة... مدنسة... وسخة...
لم تعرف كم مضى عليها من زمنٍ وهي تحت رحمة نومٍ كأنه الصحو وكوابيس مرعبة كأنها الواقع.

دخلت عليها الممرضة بوجه واجم قاتم الحزن، وكأنها تكتم غضباً مستعرّاً في صدرها. حاولت هي والطبيب أن يشرحا لها بكلمات بسيطة أن عائلتها قد اتفقت مع عائلة المجنون ذو الرائحة النتنة على أن يتزوجها! وأخبروها اسم الفاعل فعرفت أنه ابن الجيران الذي تخاف نظراته المجنونة. هو الآن في السجن، لكنهم سوف يطلقون سراحه لأنه تعهد بأن يتزوجها!
توسلت إلى الطبيب والممرضة أن لا يسمحا بذلك، فهي خائفة... مرعوبة، تكاد تموت ذعراً من فكرة أن تصبح زوجة هذا النتن الحيوان الذي يعبُّ شراب الجنون مثل والدها. سوف يفعل بها مثلما يفعل والدها مع أمها، وستتحول هي إلى جسد منتفخ ينجب أطفالاً بائسين، جوعى يرتجفون برداً وخوفاً.
لكن الطبيب أفهمها أن ذلك غير ممكن، لأن القانون في صف والدها الذي أخذ القرار. ما هو هذا القانون!؟ وما معناه؟ ولما يحق لهذا القانون أن ينفذ كلام والدها، ويعطيها زوجة لهذا النتن المرعب!؟
شرح لها الطبيب القانون رقم 522 الذي يسمح للمغتصب بأن يتزوج ضحيته كي تسقط عنه الدعوى!
لم تفهم أي شيء، لا مبرر أقنعها، ولا حجج أجابت عن تساؤلاتها. كل ما فهمته هو أن عائلتها سوف تأتي مساءً لتأخذها إلى المنزل حيث ينتظرها العريس وأهله!.
وحلَّ الظلام الحالك من جديد، وعواء الذئاب أكثر عنفاً من أي وقتٍ مضى... كانت تسير وراء والدها بعناء، وهي تحاول اللحاق بخطواته السريعة دون أن تجرؤ على التفوه بكلمة. لقد طلب منها الطبيب أن تلحق بوالدها، لأن هذا الأخير رفض أن يوجه لها الكلام. لكنه تعهد أن لا يمسَّها بسوء أبداً.
وصلا إلى المنزل. لم تدري كم يبلغ عدد الضيوف هناك! لعل جميع سكان القرية موجودون لاستقبالها، أو لعلهم قد أتوا ليشاركوا عائلتها بضربها وسحق عظامها، ومن ثم تسليمها للنتن المرعب!.
أدخلتها أمها إلى الغرفة وأغلقت عليها الباب بعد أن أمرتها بأن تبدل ملابسها. لم تعد ترى أي شيء حولها، لقد عمَّ الظلام في الغرفة المضاءة. الذئاب يشتد عويلها أكثر فأكثر، ولغط الناس في الخارج يتصاعد. ليتها تعود إلى الممرضة لتعطيها علبة دواء لتنام إلى الأبد، ليتها تنام الآن ولا تستفيق أبداً.
تسللت من الغرفة على رؤوس الأصابع، والعتم حولها يكاد أن يخفي معالم المكان، لكنها كانت متمسكة بفكرة إيجاد إلى دواء يجعلها تنام... تريد أن تنام... وصلت إلى المطبخ، وقفت في منتصفه تنظر حولها بيأس، دون أن تدري ما الذي تتوقع أن تجده هناك.
فجأة...! لاحت لها زجاجة صفراء كبيرة... إنها زجاجة الديمول التي يقتلون بها الفئران والزواحف.
علا من رأسها صوت يحثها على الشرب... هيا... هيا... اشربي... اشربي... وستنامين للأبد، كما كانت تنام الفئران ولا تستفيق أبداً.

كشفت الممرضة عن وجه الجثة الهامدة، والطبيب في الخارج يشتم الناس لأول مرة منذ مجيئه إلى هذه القرية النائية.
مسدتْ الممرضة رأس الطفلة، وقد اختفت عن وجهها ملامح الذعر، وارتسم على محياها الهدوء والسلام والأمان، وكأنها كانت تبتسم لها ابتسامتها الأخيرة... مسحت دموعها وهي تبتسم بحرقة، وقالت: نوماً هانئاً يا صغيرتي.




كتبت هذه الأقصوصة قبل إلغاء القرار 522 
كانت لجنة الادارة والعدل قد أقرت في 15 شباط (فبراير) 2017 إلغاء المادة 522 حصراً، من دون المواد المرتبطة بها، خصوصاً في ما يتعلق بمجامعة القاصر (تعديل زواج القاصرات)، وغيرها من المواد التي تطالب جمعيات المجتمع المدني بتعديلها،  لارتباطه بقانون الأحوال الشخصية لدى الطوائف، واعتبار اي تعديل عليه هو من صلاحية المؤسسات الدينية التابعة لهذه الطوائف وليس مجلس النواب.







Images rights are reserved to their owners