الدين والقانون


لا شك أن الدين لم يعد له هذا الزخم في بناء أخلاق وضمير الإنسان، لا بل لعل دوره منذ الأزل كان ضعيفاً في بناء هذا الصرح الأخلاقي، المتهاوي عصراً وراء عصر.

فإذا قمنا بجولة قصيرة على تاريخنا المجتمعي في لبنان، نجد أن الدين (رغم هيمنته في كثير من البيئات) لم يستطع أن يردع الإنسان عن ارتكاب البشاعات بحق البلاد والعباد. كذلك لم يردعهم عن ارتكاب الموبقات في غياب القوانين. فما هو الأهم في بناء الأوطان، الدين أم القانون?


يحاول الإنسان منذ آلاف السنين، رسم يوتوبيات فيها حياة أفضل للنوع البشري. وبغض النظر عن كون هذه اليوتوبيات بمعظمها، كانت أكثر ديكتاتورية من واقع المجتمعات، وأكثر عبودية للإنسان كفرد لصالح المجتمع، إلا أنها- ومن وجهة نظر شخصية- قد وضعت بعض الإرهاصات لقوانين سنها الإنسان من أجل حفظ حقوق البشر كأفراد ومجتمعات. إذ أتت هذه القوانين لتضع حداً لاستعباد الإنسان، ولتدافع عنه ضد الظلم كفرد أولاً وككائن مجتمعي ثانياً.
وهنا نعاود طرح السؤال: ما هو الأهم في بناء الأخلاق المجتمعية، الدين أم القانون؟

يحضرني شاهد واضح صريح، دراسة علم الاجتماع لما أطلق عليه مصطلح "غوغائية الحشد" وهي بالمختصر قيام الفرد بأعمال لا تشبه أخلاقه، بل تشبه أخلاق الحشد، المتفلت من أي ضوابط أو قيم. إذ يمكن أن تجد بين هذا الحشد، أفراد من جميع شرائح المجتمع، متدينون وعلمانيون، مثقفون وغير مثقفين.
فما الأجدى هنا، للسيطرة على هذه الغوغائية، الدين أم القانون؟


الله سبحانه وتعالى، أرسل الأنبياء لتبليغ البشرية بأعظم قانون يمكن أن يحدد علاقة الإنسان بالإنسان، وعلاقة البشر بالكون قاطبة. لكن الخطأ كل الخطأ يقع في تفسير الدين، وفي نقل الشرائع السماوية وتفسيرها.
الخطأ... في الخطاب الديني، الذي لم يستطع أن يضع حداً لهمجية الفرد ولغوغائية الحشد.

في نقاش مع أحد رجال الدين، المشهود لهم بالثقافة والعقلانية، والرقي في التعاطي الإنساني، حدد أن المشكلة في "أننا لا نستطيع أن نحكم المجتمع دينياً، لأننا في بلد متعدد الطوائف".
إذن... ما هو المطلوب لإعادة بناء الوطن، الدين أم القانون؟
وفي غياب القانون في وطنٍ متداعٍ مثل لبنان، هل نجح الدين في حكم المجتمع؟ وهل سينجح في إعادة تأهيل الإنسان، ككائن مجتمعي؟

نهاية القول... سواء اتفقتَ معي أم لا، فلا شك أننا كشعب أحوج ما نكون لوضع قوانين صارمة تعيد بناء البشر قبل الحجر.

 


Image rights are reserved to the owner

2 comments:

  1. الأخلاق تسبق الدين
    وليس من الضرورة ان تكون الأخلاق مرتبطة بدين معين ،
    محاولات شيوخ كل دين لربط الأخلاق بدينهم
    ليست الا وسيلة لإعطاء روح لخطابه المتدين الانتهازى
    مثل ان يقولوا
    سافرت الى البلد الفلانى فوجدت اسلام ولم اجد مسلمين
    هذه قرصنه واضحة ومحاولة لتعويض نقص
    الاخلاق والقانون هم اساس بناء المجتمع والدين يأتى لاحقآ إن أراد ذلك
    فهو شأن فردى خاص

    ReplyDelete
  2. صدقت القول
    شكراً على قراءتك المتأنية

    ReplyDelete