جوري- السفر عبر الزمن


الجزء الخامس والأخير



آدم
حط بي الرحال، في مختبرِ ألفريد نوبل عام 1888، كان يومها قد توصل لاكتشاف مادة جديدة أسماها الستيت ballestite وتتألف من مزيج هلامي القوام gelatinized من النتروهلولوز 40 % المخفف بالأزوت مع النيتروغليسرين 60% وقطعها شرائح، وقد ظلت هذه المادة تستعمل بنجاح مدة زادت على 75 عاماً. قبل أن يطور البريطانيون فيما بعد إلى عدد من المنتجات المماثلة لها تحت مسمى الكوردايت. وفي عام 1909م توصلت الولايات المتحدة الأميركية إلى نوع من البارود يصلح للاستعمال في جميع أنواع المدافع، وكان المادة الدافعة الرئيسية المستخدمة في الحرب العالمية الأولى.

هل أخبركم سراً!؟... سوَّلت لي نفسي أن أقتله، فلولا اختراعه الشيطاني لما عرفنا شيطاناً اسمه صناعة الأسلحة.
يبدو انه رآني، فقد راعه مظهري وقال بفزع: مَن أنت؟ وكيف دخلتَ إلى هنا؟
أمسكتُ عصاً كانت على الأرض وقلت: هل تعرف نتيجة اختراعك الشيطاني هذا؟
مد يديه الإثنتين وقال: مهلاً... مهلاً... على رسلك، لما أنتَ غاضب؟
صرخت: اختراعك للديناميت، أوصلنا إلى أسلحة فتاكة، تقتل المئات في دقيقة واحدة وتبيدهم كالحشرات!
حاول أن يهدئ من روعي وقال: أرجوك اهدأ... وتعال لنتكلم بهدوء.
أمضيتُ ساعات وأنا أشرح له نتيجة اختراعه، وكيف استخدمته الدول من بعده! بكى... والله بكى وقال: ما أردتُ هذا... ما أردتُ هذا...
ثم مسح دموعه وقال: ماذا عن الجائزة؟... أم تخبرني أن مؤسستي الخاصة سترعى جائزة نوبل طوال العمر؟
فقلتُ هازئ: وهل تعتقد أن ذلكَ سيمنع الحروب؟ إنها مجرد محاولة بلهاء منك لإراحة ضميرك!.


تركته يشهق بالبكاء... وقبل أن أغادره سمعته يقول: أرجوك أخبرني ماذا أفعل كيف أحصل على عفو الرب؟
"استمحيكَ عذراً ألفريد... فالتاريخ لن يتغير مهما حاولنا!... كما أخبرني نوستراداموس".



جوري
أين أنا؟...
وجدتني في مكانٍ غريب، لا أدري كم ساعة سرت، لكنني كنتُ منهكة جداً، تمددتُ على الأرض وأنا ألعن الزمن وآلة الزمن.
"آدم حبيبي... أين أنت؟".
انتبهتُ من غفوتي، ويدٌ تحمل رأسي وأخرى تضع ماءً على شفتي. قلتُ همساً: آدم... حبيبي هل أتيت؟.
سمعت صوتاً نسائياً يقول: هل تعرفكَ هذه المرأة؟

انتبهتُ من غفوتي ثانية، لأجد وجهين مضيئين كالقمر، لشخصين يجلسان بقربي. وأنا ممدة على الأرض وعلى جسدي العاري قماش أبيض.
حاولتُ أن أجلس فلم أستطع فقلت: أين أنا؟
أجابت المرأة الجميلة: أنتِ معنا هنا لا تخافي.
فقلت جاهدة: من أنتما؟
ابتسمت المرأة والرجل وقالت هي: نحن آدم وحواء... فمن أنتِ أيتها الزائرة التي لم يخبرنا الله عنها؟
ضحكتُ من أعماق قلبي وشعرتُ بشيء من النشاط وقلت: حلوة منك يا بنت... رغم شظف العيش من حولك، إلا انك صاحبة نكتة.
ضحكت بدورها وقالت: أقسم بالله أنني جادة... هيا أخبريني من أنتِ؟ وماذا تفعلين هنا؟
قلتُ مسلية نفسي بالموقف: أنا أبحث عن آدم زوجي.
صعقت المرأة أو حواء وقالت: زوجك؟... يا امرأة لا زوجة لآدم إلا أنا حواء.

هل تعرف ما معنى أن تتجادل امرأتين من أجل رجل؟... بالتأكيد تعرف لذا لا داعي للتفاصيل.
لكن المهم أن المعركة انتهت بعد ساعاتٍ حين استوعبنا جميعاً حقيقة الوضع الذي وُجدنا فيه.
مضى زمن محط رحالي بينهما، وأنا أحاول أن اقنعهما بأن يفترقا، وقد شرحتُ لهما الكوارث التي ستحصل بسبب تكاثرهما.
قالت حواء: انه قدرٌ مكتوب... الله أرسلنا لهذه المهمة.
فقلتُ باستياء: لكنما ستنجبان ذرية، ستقتل بعضها بعضاً إلى نهاية الزمان!
فأجاب آدم حاسماً الموضوع: كل ذلك مكتوبٌ في لوحٍ محفوظ. لا رادّ لإرادة الله.



آدم
لا أعرف تاريخ اليوم، وكل ما أعرفه هو انني في مدينة بعلبك، في القلعة الأثرية، والحدث؟... سهرة موسيقية لسفيرتنا إلى النجوم فيروز.

بعد منتصف الليل بدقائق، والموسيقى في أجمل تجلياتها، رأيتها تجلس في ركنٍ بعيدٍ!!!!
جووووووووري...
صرختُ وركضتُ ناحيتها... ارتمت على صدري وهي تشهق بالبكاء.



جوري
صفق العم صابر بيديه وقال: أخيراً نجحت.
فعلاً نجح... فها نحن أخيراً في زمننا.
بعد السلام والكلام والشكر والترحيب.
سأله آدم: عم صابر كم مضى علينا في سفرنا هذا؟
أجاب: أسبوعين.
تبادلنا النظرات آدم وأنا بذهول، وقلنا معاً: الفندق؟
ابتسم العم صابر وقال: لا تخافا... لقد سمحت لنفسي بأن أمدد أقامتكما هناك.
قبَّله آدم ليعبَّر له عن امتناننا.
فقال: هيا... اذهبا وشاهدا مصر التي لم تريا منها شيئاً بعد... سوف أطلب لكما تاكسي.
ونحن نخرج من مكتبة العم صابر لنركب التاكسي، شاهدتُ على أحد الأرفف رواية "شيفرة دافنشي"- سبق أن قرأتها إلكترونياً، لكن راق لي أن يكون لديَّ منها نسخة ورقية.
لكن آدم حملني إلى سيارة الأجرة وهو يقول: لا... لقد اكتفيتُ من الشيفرات والطلاسم.
لوح لنا العم صابر مودعاً وهو يقهقه.



دخلتُ إلى ركني الأثير حيث أكتب قصصي على اللابتوب، لأجد آدم غارقاً في الضحك.
حين رآني وقف وقال: فهمتُ الرسالة؟
فأجبتُ بمراوغة: أي رسالة؟
قال وهو يشير إلى اللابتوب: ما أردتِ قوله من خلال القصة... حين نلتقي لقاءً خاصاً يتحقق زمننا الحقيقي، لنعيش فعلياً كشريكي حياة. أليس هذا ما أردتِ قوله في هذه القصة؟
أجبتُ بابتسامة حب: هو كذلك فعلاً.
قال آدم وهو يطوق خصري: إذن... سيكون لنا كل أسبوع يوماً خاصاً بنا نقضيه معاً، بعيداً عن مرضاي وكتبك.
عانقته وطال العناق.

في زاوية الغرفة لمحتُ ملاكاً صغيراً يحمل قيثارة ويعزف لحناً سحرياً.
دهشت!... فابتسم وغمز لي بعينه.




Images rights are reserved to their owners


2 comments: