مُلك يمين


إلى متى هذا الرعب يا رب!!!!... إنهم يحاصرون القرية منذ أسبوع، والقتال على تخوم البلدة محتدماً وملحمياً، فالرجال ومن جميع الأعمار، يقاتلون ببسالة منذ أن قرر الإرهابيون أن يدخلوا البلدة، لوضعنا تحت حكم "إسلامهم"!؟ نحن هنا منذ آلاف السنين، نعيش كلنا، وعلى مختلف أدياننا، بأمانٍ ورخاء ومحبة تسعنا جميعاً. لكن!... الإرهابيون قرروا أننا يجب أن ننضم تحت لواء حكمهم، لأننا ضالون- حسب زعمهم- ويجب أن نعود إلى حظيرة الإسلام!
عن أي إسلامٍ يتكلمون يا الله!

اشتد القصف وعنف صوت المدافع، كنتُ خائفة أتنقل في الدار كالمجنونة، فماذا إذا دخلوا إلينا، ونحن... أمي وأنا وحدنا في هذا المنزل!؟ أرعبتني الفكرة... ترعبني فكرة الاغتصاب!انضممتُ إلى أمي في غرفتها، ووضعت رأسي في حضنها. فمسحت على رأسي وقالت: اهدئي... لن يدخل إلينا أحد، فالرجال يقاتلون وسيردونهم على أعقابهم.
ربما غفت عيني برهة، استفقتُ فزعة على أصوات عويل وقبل أن استوعب ما الذي يجري، دخلوا علينا!... ملابسهم غريبة... بل أشكالهم غريبة، لحاهم وشعورهم تغطي وجوههم... تفوح منهم روائح الحظائر.
أمسكني أحدهم من شعري وجرجرني على الأرض وهو يزعق: هذه السبية لأمير المؤمنين... إنها هديتي له.
كانت أمي تولول وهي بين يدي أحدهم تترنح كالطائر المذبوح. وأنا أنوح كطائر شؤمٍ ينذر الناس بحلول المصائب.

استفقتُ في مكانٍ قذر، أشبه ما يكون بسجنٍ أو زريبة! لعلهم ضربوني ففقدتُ الوعي، إذ كانت الدماء تغطي رأسي وجسدي.
كان أحدهم يجلس أمامي، أحسستُ بتخشبٍ في حنجرتي، حاولتُ أن أنطق فلم أستطع، لكنني حاولت وحاولت إلى أن استطعتُ أن أقول: أمي؟... أين أمي؟رماني الرجل بدلو ماء وقال: اخرسي ولا تتكلمي.
شتمته وأنا أتف في وجهه، فصفعني وهو يقول: عاهرة... لو لم تكوني خاصة أمير المؤمنين للقنتكِ درساً لن تنسيه.
وخرج بعد أن قيدني بالسلاسل، ووضع شريط لاصق على فمي.
كان الدم يختلط بدموعي المالحة، وأنا أبكي... قلبي ينبض بعنف، يكاد أن يخرج من صدري.
سيغتصبونني!... سيغتصبونني!... سيغتصبونني!... سيغتصبونني!...
أنا التي لم يمسَّني انسٌ ولا جان... صغيرة البيت المدللة، البنت الوحيد على ستة أخوة رجال. كنتُ أميرتهم المدللة. ماذا سيحصل لأمي!؟... لأخوتي المقاتلون الذين ذهبوا إلى المعركة دفاعاً عن الوطن؟! أمي ستموت!... والله ستموت!
وأخوتي... الرجال الأشداء، كيف سيعيشون مع فكرة أن أختهم قد اُغتصِبتْ؟... اغتصِبت بينما هم يدافعون عن شرف كل حرٍ أبيّ!؟
نقلوني إلى مكانٍ آخر، وسلموني إلى امرأة أشبه بالغول، مغطاة بأقمشة سوداء، ولا يظهر من وجهها سوى عينيها. لكزتني بعصا تحملها في يدها وهي تقول: تحركي... تحركي... سلمتني لوحش بهيئة امرأة، صوتها خشن ويديها كالمرزبة، مزقت ثوبي عليَّ وعرَّتني وأنا أصرخ وأولول...
صفعتني وقالت: اخرسي يا عاهرة...
ثم وضعت على فمي لاصق لتمنعني من الكلام، ورمتني في حوض مليء بالماء والصابون، وبدأت تفرك وتفرك، وجلدي يكاد يتفتت تحت أصابعها الفولاذية. لفتني بمنشفة، وسلمتني إلى امرأة أخرى، ضخمة الجسم كأنها مصارع،
أجلستني على كرسي وبدأت تمشط شعري، ثم أخذت تزين وجهي... كنتُ كلما أفسد الزينة بدموعي، تجلدني بالسوط، فاشتمها... فتضربني مجدداً وهي تقول: هذا لتأديبكِ يا جاحدة... واشكري الله أن الأمير قد اختاركِ لنفسه.
بدأتُ أولول فرفعت سكينها في وجهي وقالت: اخرسي وإلا فسوف أقطع لسانك.
كانت ملامستها لجسدي مريبة... شاذة... مرعبة... حاولتُ التملص منها، لكنها أمسكت بي بإحكام... ثم قالت: انكِ حقاً جميلة وتليقين بأمير المؤمنين.
رشتني بعطرٍ رائحته أشبه بأدوية السعال، وألبستني ملابس مفتوحة، بالكاد تسترني. ثم تأملتني برضا وهي تقول: تمام... تمام... كما طلب أمير المؤمنين تماماً.
غطتني برداء أشبه بعباءة أو خيمة، فلم يعد يظهر مني إلا عيني الباكية.
قادوني في سيارة زجاجها مغطى بالستائر. لم أعرف المكان ولا الزمان، فلعلهم سبوني منذ ألف عامٍ... ولعلهم اقتادوني إلى المريخ.
وصلنا إلى منزلٍ كبير، كان يعج بالمسلحين، طبعاً عرفتُ إنهم الإرهابيون... أشكالهم وروائحهم تؤكد ذلك! استلمني كائن مغطى بالأسود كله، عرفت أنها امرأة عندما دخلنا إلى غرفة نورها أحمر، فقالت وهي تنزع عني الرداء "ها هي يا أمير المؤمنين".
طغت دقات قلبي على صوت الرشاشات الذي اشتد منذ أن وصلت.
دار الرجل حولي وهو يقول: ما شاء الله... جميلة جداً أيتها الكافرة... والآن سوف تعلنين إسلامك.
نظرتُ إليه بأنفة وكبرياء أمدني الله سبحانه وتعالى بهما وقلت: وما أدراكَ بديني يا هذا؟... فلعلي مسلمة.
حك لحيته القذرة وقال: كل إنسان ليس منا فهو كافر.
أجبت: الإسلام بريء منكم.
صفعني وشتمني بأقذع الألفاظ، وهو يقول: كيف تجرئين يا عاهرة على سيدك وأميرك؟
لعنته... فصفعني مجدداً. وقعتُ على الأرض تحت قدميه.
رفعني وهو يحاول أن يحضنني، وصوت المدافع يقترب منا. لم أكن خائفة، بل كنتُ أتمنى وأدعو الله أن يسقط علينا صاروخٌ، فنُقتل معاً.
ضربته بركبتي في منطقة حساسة أسفل بطنه المنفوخ كبطن بعير، ثم خطفتُ سكيناً كان على المنضدة. هددته بأن أقتله إن اقترب، فضحك وحاول أن يمسك بي وهو يقول: أحب المرأة الصعبة... قاوميني أرجوكِ كي تشعليني أكثر.
حصرني في الزاوية، ولم يعد لي أي مجال للهرب... مرَّ الشريط أمام عيني بسرعة البرق... سوف يغتصبني!
أمي... إخوتي... جسدي... كياني... عائلتي... قريتي... نساء وطني... وطني...
أحاطني بذراعيه من الخلف وأنا أطعن نفسي بسكينه، نفر الدم... اشتد صوت القصف، وعلت أصواتٌ في الخارج، كان الصراخ يصم الآذان وهو مذهول أمامي، لا يصدق ما فعلته، فطعنتُ نفسي طعنة أخرى...
دخلت حشودٌ إلى الغرفة... كنتُ أتهاوى وأفقد الوعي ببطء... أحسستُ بجسدي يتمدد على صقيع بلاط...
رفع رأسي شخص ما وهو يقول: مريم... مريم... أنا هنا... كلنا هنا... جئنا لإنقاذك...
أخي... ابتسمتُ بوهن وأنا أحاول أن المس وجهه، وقلت: أرأيت يا أخي لم أسمح له أن يلمسني... أخبر أمي وأخوتي إنني متُ طاهرة.
أغمضتُ عيني وصوتٌ ملهوف يزعق فوق رأسي:
مريم... مريم... مريم...



Images rights are reserved to their owners




 

 

 

 

 

 

 

 

 

No comments:

Post a Comment