تعيشُ سوسنُ وحدَها في منزلِ العائلةِ، فهي يتيمةُ الأبوينِ، وجميعُ إخوتِها مهاجرونَ في بقاعِ الأرضِ. تجاوزتِ الأربعينَ من عمرِها ولم تتزوجْ بعدُ. كانت متفرغةً لتعليمِ الموسيقى في عددٍ من مدارسِ العاصمةِ.
يَعرِفُ جيرانُ سوسنَ عشقَها للطيورِ، وخاصةً الببغاءِ "ويزو"، وهو ببغاءٌ يملكه جارُهم حسامُ، وقبل أن يخرجَ إلى عملِه، يضعُه في مدخلِ البناءِ ليتسلى مع الأطفالِ والحارسِ.
ذاتَ يومٍ، وللأسفِ الشديدِ، شخَّصَ الطبيبُ حالتَها بأنها أعراضُ الكوفيد-19.
حجَرَتْ سوسنُ نفسَها في المنزلِ، ومَنَعَتْ أيَّ شخصٍ من أقاربِها أو أصدقائِها من زيارتِها، واكتفَتْ بأن تتلقّى مَخابَراتِهم.
شَغلَ أمرُ غيابِها جارَها حسامَ. فرغم أنهما لا يتكلمانِ إلا نادراً، ويكتفيانِ بإلقاءِ التحيةِ، لكنَّه حارَ في أمرِ غيابِها، ولم يَعُدْ يلاحظُ وجودَ بذورِ دوارِ الشمسِ التي كانتْ تحضرُها للببغاءِ بانتظامٍ.
بعد أن طالَ غيابُها أياماً متتاليةً، قرَرَ أن يطرقَ بابَها مهما كان الوضعُ حرجاً.
فتحتْ سوسنُ البابَ قليلاً وقالتْ، وهي تقفُ خلفَه: مَن؟
فأجابَ حسامُ: أنا حسامُ، جارُكِ. لقد لاحظتُ غيابَكِ فشعرتُ بالقلقِ... هل تواجهينَ مشكلةً؟
صُعِقَ حسامُ وقال: هل ذهبتِ إلى الطبيبِ؟... هل تحتاجينَ إلى الذهابِ إلى المستشفى؟
شكرَتهُ سوسنُ وقالتْ: لا... لا داعيَ للمستشفى، فالطبيبُ يتابعُني وحالتِي لا تستدعي ذلك.
رجاهَا أن تقبلَ التواصلَ معه عبرَ الهاتفِ. أعطاها رقمَ هاتفِه وحصلَ على رقمِها.
ولم ينتظرْ أن تأخذَ المبادرةَ لتطلُبَ منه أيَّ خدمةٍ. أصبحَ كلَّ يومٍ يضعُ على بابِها أغراضاً قد تحتاجُها، ويتواصلُ معها عبرَ الواتسابِ.
بدأ تواصُلُهما يطولُ وتتشعبُ الأحاديثُ بينَهما.
شهرٌ كاملٌ من الحجرِ المنزليِّ لسوسنَ، أصبحا فيه -حسامُ وهي- صديقينِ مقرَّبَينِ، كما لو أنَّهما كانا كذلك طوالَ العُمرِ.
اقترحَ عليها ذاتَ يومٍ مشمسٍ أن يَقصِدا كورنيشَ البحرِ ليمارِسا رياضةَ المشيِ ويتناولا بعدَها الفطورَ وقهوةَ الصباحِ... فوافقتْ.
هناكَ طلَبَ يدَها للزواجِ...
Images rights are reserved to their
owners
No comments:
Post a Comment