اعتدت من الدنيا مزاحها الثقيل، فلطالما تركتني بقلبٍ ينزف أحزانه ونحيبه. ما جعلني من ذوي المزاج الميال للكآبة الدائمة، لكأن الفرح يندم إن زارني هنيهة.
زارتني جارة لي من ذلك النوع من النساء الذي يعرف مخرجًا لكل مأزق وحل لكل مشكلة. فقالت بابتسامتها الواثقة "صدقيني يا امرأة، الحل الوحيد هو أن تزوري طبيبًا نفسيًا كما أفعل أنا... وها أنا أنظري كيف أبدو دائمًا فرحة ومتألقة رغم أن زوجي قد تركني مع ثلاثة أولاد".
والله لا أخفيكم سرًا فقد أعجبني الاقتراح، وقلت لنفسي لما لا أيتها الخائبة، لعل لدى هذا الطبيب عصا سحرية، تحوِّل شقائي إلى فرح.
...وهكذا زرتُ الطبيبة التي تزورها جارتي.
بدأت الجلسة، بتفاهم وتناغم امرأتين اختبرتا نفس مصاعب ومِحَن وشؤون الحياة وفنونها وضروبها. فكم ضحكنا على مواقف نتعرض لها نحن النساء دائمًا.
وهكذا إلى أن حان موعد الجد، فبدأت أخبر الطبيبة عن معاناتي وما أقاسي في الحياة، كنتُ أضحك أحيانًا من ذكريات تدمع لها الطبيبة فأندهش، ثم أبكي بسبب ذكرى ما، فتبتسم وتقول لا عليكِ كل شيء سيكون بخير.
والله أحسستني ألعب أمامها في فيلم كوميدي، فإن بكيتُ ابتسمت، وإن ضحكتُ دمعت عيناها، حتى خلتُ أن خللاً قد أصاب جو الغرفة كان يوصل كلامي معكوسًا الى أذنيها، لكنها أكددت لي مرارًا أنها تسمعني جيدًا، وتفهمني أكثر من نفسي.
بعد مرور حوالي ساعة على جلستنا، شخصت حالتي على أنها حساسية مفرطة في مشاعري، تجعلني في قمة الألم كلما تألم شخص أمامي، حتى لو كان ذلك في مسلسل تركي تافه، وأرق دائم يستوطن في ضميري، لدرجة أنه لا ينام ولا لحظة ليريح ضميره من التأنيب على أقل الخطايا والذنوب.
طبعًا لم أفهم التشخيص، لكنني سألتها "ما الحل يا دكتورة؟"
فأجابت بثقة عالية: إجراء عملية قطع الوتر الذي يربط ضميرك بعقلك، وتناول دواء مدى الحياة يخمد الأحاسيس في دمكِ ويجمد الحس الإنساني فيكِ!
وافقتُ على إجراء العملية... ومررتُ في طريقي على الصيدلية لصرف الدواء.
ابتسم الصيدلي الشاب، معتقدًا إنني أمازحه لغاية في نفس يعقوب، فقال: ما رأيكِ أن نتناول غداءًا صحيًا أفضل من ألف دواء يصفه الطبيب.
فشكرته وأوضحتُ له أن زوجي الغيور وأطفالي الخمسة بانتظاري لأحضر لهم الغداء.
ابتسم الصيدلي الشاب، معتقدًا إنني أمازحه لغاية في نفس يعقوب، فقال: ما رأيكِ أن نتناول غداءًا صحيًا أفضل من ألف دواء يصفه الطبيب.
فشكرته وأوضحتُ له أن زوجي الغيور وأطفالي الخمسة بانتظاري لأحضر لهم الغداء.
خرجتُ مسرعة، فإذا بصوت يناديني، التفتُ فرأيتُ عجوزًا يحمل عكازًا، سبق ولمحته منذ قليل داخل الصيدلية.
قال ووجهه ينضح طيبة: عذرًا يا ابنتي لكنني سمعتُ حواركِ مع الصيدلي صدفة.
فأجبتُ بخجل: لقد أساء فهمي.
فقال: أعذري شبابه، ما زال عظمه طريًا على هكذا أمور... ما رأيكِ أن أقترح عليكِ طريقة تستفيدين فيها من علاج طبيبتكِ، وتكرسين فيها شخصيتكِ الجديدة؟
المؤهلات؟
سوف أخضع قريبًا لعملية قطع الوتر الموصل بين ضميري وعقلي.
أتعهد بتناول دواء مخدِّر للمشاعر والأحاسيس مدى الحياة، كي أقضي على عادتي السيئة جدًا بالتعاطف مع مشاكل الناس.
كما سيتم وضع جهاز في أذني، يمنعني من سماع الانتقادات والشتائم.
الوظيفة المطلوبة: رئيسة دولة من دول العالم الثالث!
ومن يجد لي وظيفة سوف أمنحه عمولة خاصة جدًا، بأن أجعله رئيسًا للوزراء!
Images rights are reserved to their
owners
No comments:
Post a Comment