مواطنة في مدينة الخيال



مرحباً عزيزي سانتا...
هذه أنا... طفلة الخيال المشاغبة- كما قلتَ عني يوماً- الروح البريئة التي ترفض أن تشيخ.

أكتب لكَ رسالتي المنتَظَرة منذ ألف عامٍ، أتذكر!؟... قلتَ لي يوماً أنكَ وعِدتَ بولادة طفلةٍ مشاغِبة في زمنٍ ما، لن تتوانى عن إزعاجك في أي يومٍ خلال العام، لتسمح لها بالدخول إلى مدينة الخيال، حيث تطارد أبطال قصصها، أو تريق أشعة الشمس على وجه فارسها الحبيب الذي وعدها أن يبني لها قصراً من أوراق حكاياتها... لكنه ما زال ينتظركَ كي تمنح حبيبته انتماءً إلى "مدينة الخيال".

عاتبتكَ- وأنا أراقص خيلاء الصبا- فوعدتني أن تمنحني "الانتماء" إذا قفزتُ فوق كهولتي، ووصلتُ إليكَ أحمل صليب معاناتي، والطفلة في داخلي ما تزال تسكن غيمة، وتراقص العصافير في صباحات القرى.

ها أنا أكتب لكَ رسالتي وقد بلغتُ مِن النضج عتياً، والطفلة في داخلي، ترفض أن تشيخ. فما زالت- كعهدكَ بها- تلاعب الخيال وتروِّض حكاياته.
أكتب لكَ... لأخبركَ كيف مضى العمر/المسرحية، التي لعبتُ فيها دور المتفرج! ما أصعب أن تلعب دور المتفرج على مسرحيةٍ ترويكَ كمجرد "كومبارس" في حكاية القدر.

رُفع الستارُ إيذاناً ببدء المسرحية. كانت طفلة- هي أنا- تشاهد فيلماً مِن الرسوم المتحركة، عن رجلٍ طيبٍ يحب الأطفال، لكن الله لم يمنحه طفلاً، فقرر هو وزوجته الحنون أن يمنحا الأطفال فرحة العيد، بتقديمهما الهدايا لهم، في ذكرى ميلاد الطفل/النبي يسوع. كافأهما الله بأن أرسل جنية بعصا سحرية، لتمنحهما الخلود والقدرة على توزيع الهدايا ليلة الميلاد على جميع الأطفال في أنحاء المعمورة.
وهكذا أقيمت "مدينة الأحلام" في القطب الشمالي.
غفت الطفلة!... نزعتُ شالي الأحمر وغطيتها به.
صرخ بي المخرج/القدر: عودي إلى مكانك ليناااااا.

ثم... بينما أنا أحاول أن أريح رأسي المتعب مِن "لعنة الوعي"- حسب مقولة سيوران*- لمع ضوءٌ ساطعٌ في أرجاء المسرح، فرأيتُ الناس تفرُ وكأن الشيطان يلاحقهم، لا بل فعلاً كان يلاحقهم بهديره المرعب... فاستفاقت الطفلة!... لم تعد طفلة! لقد تجاوزت الخمسين!... والمعاناة موشومة في روحها/روحي! فأنا ابنتها البارة/الثائرة، التي تلعنها يومياً في الجهر والعلن.

لعلكَ عزيزي سانتا، تود أن تسألني "وماذا فعلتِ من إنجازاتٍ لتستحقي الانتماء إلى مدينة الخيال؟".

لم أجَنَّ... أنا طفلة الحرب التي أسست خزائنها في ذكريات طفولتي منذ أول طلقة رصاصٍ بين "الشياح- عين الرمانة".

لم أنكسر... أنا طفلة الغضب، الرافضة للتطبيع مع عدو، ينشر الرعب في أنحاء الأوطان الآمنة، يقتل ألف طفلٍ في اليوم ويقول "نقاتل الإرهاب ليعم السلام في أرجاء العالم"!!!!.

لم انتحر... أنا ضحيةً منظومة سياسية فاسدة، جعلتنا- كشعب- نستجدي ثمن الدواء والدفء!

واجهتُ الموت بالإيمان، وذرفتُ دموع الصبر وأنا أرى أحبائي يوارون في الثرى مع قطعة من روحي... حبيبٌ بعد حبيب.

لم أكفر... أنا ضحية الخيانة... خيانة القريب والغريب... خيانة النساء والرجال... خيانة الأقنعة... يـــــــــــــــا لكثرة ما شاهدتُ من أقنعةٍ تسقط.

استحق الانتماء إلى "مدينة الخيال"لأنني من أولئكَ المجانين الذينَ يغوصون وصولاً إلى أعماق المعاناة، ليعودوا قبل برهةٍ من هلاكهم وفي جعبتهم أحرفٌ ضوئية، ينثرونها كغبار النجوم، في ليالي السهر، من أفواههم ينساب نهرُ حكاياتٍ لا ينضب.

كنتُ أغوص في معاناتي، فيقال انتهت!...
لكنني كنتَ أصعد مجدداً على ظهر حورية تحملني إلى شواطئ مدينتك، حيث أركض مع الدببة... ألعب مع رجال الثلج... أغني مع العصافير... أسبح مع البطاريق... أمارس التزحلق على الجليد مع "فارسي".


ماذا تقول عزيزي سانتا...
ألا أستحق منكَ ورقة ورد، تعلنني... "مواطنة في مدينة الخيال"؟





*الوعي لعنة مزمنة، كارثة مهولة، إنه منفانا الحقيقي، فالجهل وطن، والوعي منفى. إميل سيوران



Images rights are reserved to their owners

No comments:

Post a Comment