محاورة ديوجين

    
أخذني فرس خيالي الجامح، إلى مدينة أثينا عام 320 ق.م. قبل موتِ ديوجين ببضعة سنوات.
رأيته في وضح النهار، يحمل مصباحه الشهير.
وقفتُ أمامه لأمنعه من المرور، زعق بوجهي: ابتعدي يا امرأة...
ضحكت وأجبت: ليس قبل أن تخبرني عما تبحث بهذا المصباح؟
أجاب متململاً: مِن أي عصرٍ أنتِ؟... الكل يعرف أنني أبحث عن الإنسان.
فقلتُ بتحدٍ: هل وجدته؟
أجاب بسأم: لا... ليس بعد!
أكدتُ له بإصرار: لن تجده.
قال وهو يبتعد عني: وما أدراكِ أنتِ؟
تبعته وأنا أقول: أتيتُ من زمن الألفية الثالثة... ولم نجد الإنسان بعد!
لعنني ساخطاً وقال: هل تمازحينني يا امرأة!؟...
فأجبتُ ببراءة وأنا أريه هاتفي المحمول: أقسم لكَ أنني صادقة.
نظر إلى هاتفي المحمول وسأل مستغرباً: ما هذا الشيء؟

جلستُ على الرصيف فجلس بجانبي، وبدأتُ أشرح له كل ما له علاقة بالتكنولوجيات الحديثة.
صفر بحماسٍ وقال: يا لكم مِن شعوبٍ تقدس الآلات والزخرفة!
ضحكت وقلت: في هذه صدقت. فنحن شعوبٌ تعبد المظاهر والبهرجة.
وجم لحظة وقال: يبدو أنكم أيضاً لا تملكون عقولاً صالحة.
قلتُ بحزن: صدقت... آهٍ لو تعلم يا ديوجين.
اقترب مني قليلاً وقال: هيا أخبريني...
فأخبرته...

شتم... ثم شتم... ثم شتم. ثم سأل: ألم يتعلم مني أحد فنَّ التمرد على السلطة وزبانيتها!؟
بكيتُ وقلت: لو تراهم وهم يهتفون باسم الزعيم... يسوقهم كالأغنام!
استنفر واكفهر وجهه وقال: إذن لم تجدوا الإنسان بعد؟
أكملت بكائي، فوقف منتفضاً ووقف وهو يقول: عليكِ اللعنة يا امرأة... كنتُ أعتقد أن الإنسان قد أصبح عالمياً، وها أنتِ تخبرينني انه قد مُسخ قرداً يختال على ما تسمونه العولمة!
نظر إليَّ وأنا أبكي... ثم قال: هل أنتِ راضية في حياتك؟
قلت وأنا أنشج بالبكاء: لا… ليتني...
ولم أستطع أن أكمل لأقول "ليتني لا أعود إلى هناك".
فقال بعطفٍ أبوي: أحضري لكِ برميلاً وتعالي لنبحث عن الإنسان معاً.




Image rights are reserved to the owner
                                        

No comments:

Post a Comment