استيقاظ الجميلة النائمة



كان ياما كان في سالف العصر والزمان، وفي مملكة فوق
السَحَاب أنجبتْ الملكة طفلة في غاية الجمال. انتقمت جنية عجوزٌ شريرة لعدم دعوتها إلى الاحتفال بالطفلة، بأن لعنتها بالموت حين ينغزها المغزل في إصبعها. لكن جنية طيبة بشَّرت الملكة والملك أن ابنتهما سوف تنام وسينام الجميع معها إلى أن يأتي يقبِّل الأميرة النائمة.

مضتْ مئة عامٍ تغيرت فيها الدنيا، وتحولت إلى غابة فيها كائنات بأجساد بشر وقلوبٌ من حجر، وحكامٌ قلبوا مقاييس الحكم ليصبح العدل هو سفك الدماء.

شعر فارس من فرسان الحرية بالسأم من سياسات القهر التي تمر على الأوطان عقداً تلو عقد. فقرر السفر إلى السماء لعله يجد له هناكَ وطناً آمناً يحكمه العدل. استخدم أجنحة صقر، فوصل في سفره إلى مملكة طمرتها الحشائش الضارة والأشواك الحادة. اقتلعها بشجاعة، فما اعتاد في وطنه أن يدير ظهره للآفات ليتركها تعيث في الأرض فساداً.
أنهى معركته بالنصر على أشجار الشوك. ودخل يتجول في أرجاء القصر، دخل غرفة في العلية، فأذهله وجه صبية ساحرة الجمال تنام بوداعة طفلٍ بريء. ولأنه وجد أن جمالها رباني ولم يعمل فيه أي مبضع طبيب تجميل. انحنى على وجهها كعاشقٍ وجد حبيبته بعد دهورٍ، وقبَّلها بشغف على خدها الوردي.
استفاقتْ الأميرة بعد إذ بَطُل مفعول اللعنة عنها، واستفاق معها كل مَن في القصر. كانت مكافأة الفارس على قبلته التي أعادت الحياة للمملكة أن وافق الجميع على طلبه بالزواج من الأميرة الجميلة. فاشترطت عليه هذه الأخيرة أن يصحبها بعد الزواج في رحلة إلى ممالك الأرض حيث كان يعيش.

هبطا بداية في جنوب لبنان عام 2006 وطائرات العدو تدكُ القرى والبلاد بشراسة، والدمار شامل.. ارتعبتْ وسألت زوجها: ما الذي يجري هنا؟
أجاب انه اعتداء إسرائيلي جديد على جنوب لبنان. لكن المقاومة سرعان ما ستنهيه بدحر الكلاب إلى مخابئهم ثانية.
ارتمت أرضاً بسبب سقوط صاروخ قريب. وصرخت به: لكن ما معنى هذا؟
حملها الأمير ورفرف بجناحيه طائراً وهو يقول: لا تخافي... سنرحل من هنا وأخبركِ قصة صراع العرب مع إسرائيل.

ثم وصل المطاف بالعروسين إلى أرض العراق. وكانت في استقبالهما سيارة مفخخة في سوق المتنبي، انفجرت سروراً لرؤيتهما، وأشعلت نيرانها احتفالا بمقدمهما المبارك. أنقذ الفارس عروسه من تحت الركام، فرأتْ عشرات الجثث حولها منهم أطفال ونساء.
فسألته برعب: ما هذا أيضاً يا فارس.
أجاب بخجل: انه العراق يا حبيبي.
بكتْ الأميرة وشعرت بالغثيان لمرأى الدماء وجثث الشهداء الملقاة هنا وهناك.
وبينما هما يهمان بالطيران مجدداً مرَّت دورية مشاة أميركية، كانوا مسعورين من شدة الخوف، ويطلقون النار كيفما اتفق فيسقط المزيد من الأبرياء.

بعد عدة أيام عسل جميلة... مرا على بلد يتجمع مواطنوه في الساحات، وحيوانات ضخمة تدوسهم فيقتلون!.
فصرخت الأميرة: ما هذا يا فارس؟
فأجاب فارس: إنها مصر يا حبيبتي... والشعب يقوم بثورة ضد النظام لإسقاط الرئيس.
فصرخت مجدداً: وما هذه الحيوانات الغريبة؟
فأجاب: هي الجِمال يا حبيبتي... أُرسِلت لتدوس الناس في.
واصلا سفرهما... فوصلا فجراً إلى دولة تشتعل فيها النيران وكتل الهب تتطاير في سمائها.
فسألته مذهولة: والآن... ما الذي يجري هنا يا فارس؟
فأجاب: إنها سوريا يا حبيبتي... وهذه حرب ضد النظام.
بكت الأميرة بكاءً مراً.

وبعد أن جال بها على مواطن عرب النفط والشفط، وبعد أن رأت بأمِّ العين كيف يعيش هؤلاء في رغدِ من العيش والأمان والهدوء. لم تستطع كتمان تساؤلها: لكن يا فارس لما هؤلاء العرب ينعمون بالأمن، بينما الآخرون تدك أوطانهم وتهدم بيوتهم فوق رؤوسهم؟
أجاب فارس: إنها حكاية طويلة... عن الاستعباد والاستبداد والطغيان وكمَّ الأفواه.
قالت: لم أفهم شيئاً.
فأجاب: سوف تفهمين حين أخبركِ قصة الصراع العربي الإسرائيلي، وأخبركِ الفرق بين العملاء والمقاومين. وعن ثمن ممانعة أي وطن عربي للاستيطان الإسرائيلي، والثمن الذي يدفعه الحُكام والملوك للحفاظ على عروشهم وكراسيهم.

وكانت جولة العروسين الأخيرة في فلسطين المحتلة، وغزة المنكوبة بالصمت العربي المخزي.
فهمتْ الأميرة قصة أوطانٍ تعاني منذ وعد بلفور.
بكت بحرارة وقالت: الآن وحالاً أرجعني إلى مملكة السحاب... أرجعني إلى أهلي.

وهناكَ أخبرتْ الجميع عما شاهدته في ممالك الأرض. وقررتْ أخيراً أن تعود لنومها الأبدي.
لكن الفارس المغوار أقسم لها أنه لن يتركها في نومها الأبدي. وصرخ وهو يطير عائداً إلى وطنه: قسماً بحبكِ وتراب أوطاني... سأقاتل إلى أن أنتصر فأعود إليكِ أو استشهد فألقاكِ في الجنة.
واختار الجميع العودة إلى النوم كمثل الأميرة... والعهد ما يزال وعداً... بانتظار عودة الأمير ليقبِّل عروسه النائمة.







Images rights are reserved to their owners






















No comments:

Post a Comment