ألف ثورة... وثورة


... وفي الليلة المئة بعد الألف، سمعتْ شهرزاد بأن شاباً من بلاد العجم يدعى "جاك دورسي" قد أسس موقعاً الكترونياً يتضارب مع مصالحها الروائية، فهذا الموقع ينقل الأخبار من جميع أنحاء العالم لحظة بلحظة إضافة للحكايات والنوادر والحِكم وأقوال الأدباء والفلاسفة.
وكعادتها كل ليلة، تجمّلت وتعطرت وارتدت حلة زاهية الألوان بانتظار أن يحضر حبيبها شهريار ليسمع أحدث ما لديها من حكايات. لكنها فوجئت به يدخل وهو يحمل حقيبة سوداء وضعها على السرير وأخرج منها صندوقاً معدنياً عجيباً أضاءه بكبسة زر!
فسألته شهرزاد: ما هذا يا شهريار؟
فأجاب: لابتوب يا امرأة.
فقالت بدهشة: وماذا ستفعل بهذا الشيء؟
فأجاب بلامبالاة: سوف أفتح التويتر لأتواصل مع أصدقائي.
حسناً!... بدأت شهرزاد تشعر بالخطر وقد اقترب كثيراً، لا بل لقد دخل إلى غرفة نومهما هي وشهريار! اقتربت منه بدهاء الأنثى وحاولت أن تلمسه بحنان وحرارة وهي تهمس في أذنه: حبيبي ألا تريد أن تسمع أحدث حكاياتي؟
أبعدها عنه برفق وقال: ابتعدي يا شهرزاد أرجوكِ، فأصدقائي في جميع أنحاء العالم بدأوا التغريد وأريد أن أتسلى معهم قليلاً.
فقالت شهرزاد باستياء: وحكاية الليلة؟
فقال بامتعاض: مللتُ يا شهرزاد، مللتُ حكايات الجنّ والحيوانات الناطقة وألاعيب القهرمانات، ولم أعد أصدق أن الحب ينتصر في النهاية، فالفقير لم يعد لديه وقتٌ للحب، والحسناء دائماً يتزوجها الثري... والحُكام تثور شعوبهم عليهم، وأميركا وحدها تتسيّد العالم وتحكمه حسب مصالحها الخاصة، والتي هي أولاً وأخيراً أمن وأمان إسرائيل.

أمضت شهرزاد ليلتها وهي تجمع معلومات عن هذا "التويتر"، وتبحث وتحلل المعطيات وتناقش نفسها بموضوع الخطر الداهم الذي اجتاح مكانتها الروائية لدى شهريار!
وعندما أدركَ شهرزاد الصباح، استدعت مسرور السياف، وسألته عن موضوع هواية شهريار الجديدة.
ابتسم مسرور وقال: انه هوس النت يا مولاتي، هوس السفر إلى جميع أنحاء العالم وأنتِ في مكانك، لكن لا تقلقي يا مولاتي، فأنا أسيطر على الوضع تماماً... لقد دسستُ أعواني بين أصدقاء مولاي ومتابعيه على التويتر والفايسبوك كي أمسكَ بخيوط اللعبة.
أجابت شهرزاد بدهشة: أحقاً! وهل معنى ذلكَ أن في القصر غير شهريار مَن يستخدم هذا الشيء؟
أجاب مسرور بثقة: اطمئني يا مولاتي أعرفهم جميعاً وأشرف على عملهم أيضاً.
صمتت برهة وسألت: والشعب يا مسرور... هل بدأ الشعب أيضاً يستخدم الكومبيوتر؟
أجاب مسرور وقد قطب حاجبيه: لن أخفيكِ سراً يا مولاتي، إن الشعب فعلاً بدأ يتعلم العمل على الكومبيوتر ويستخدم الإنترنت... وهذا مؤشر خطير.
انتقلت عدوى القلق إلى شهرزاد فسألت: وما وجه الخطورة في ذلكَ يا مسرور؟
أجاب مسرور: حين يستخدم الشعب الإنترنت سوف يتابع أخبار الدنيا بأسرها، وهكذا سوف يتفتح وعيه وسيبدأ بالمطالبة بالمساواة مع بقية الدول، وسيستورد عاداتهم وتقاليدهم وسيسمع عن ثوراتهم ومطالبهم السياسية والمعيشية.
فتحت شهرزاد كفيها وأجابت: مسرور... "الله لا يوفقك يا بعيد على هالخبرية". ولما تركتَ الأمر يصل إلى هذا الحد ولم تخبرني قبلاً.
ابتسم مسرور وأجاب: انتظرتُ يا مولاتي إلى أن أجمع معلوماتي عن الموضوع وأدرس الأمر من جميع جوانبه... وقد توصلتُ ليلة البارحة إلى الحل وكنتُ أنوي أن أعرضه عليكِ اليوم.
فقالت شهرزاد: هات أتحفني بما لديك.
ابتسم وقال: ببساطة يا مولاتي عليكِ أن تؤسسي موقعاً إخبارياً لنبث منه الأخبار التي تناسب دولتنا... وموقعاً آخر اجتماعي ثقافي ترفيهي، كما عليكِ أن تفتحي صفحتي تويتر وفايسبوك... وهكذا نمسك بجميع خيوط الشبكة.
طرقت كتفه بمروحتها وقالت بابتسامة المنتصر: حسناً يا مسرور ابدأ بإجراءات إنشاء هذه المواقع... وابدأ أيضاً بتأسيس شركة لخدمات توصيل الإنترنت، كي يكون الأمر بأكمله تحت سيطرتنا.
بدأ مسرور بالتعاون مع عددٍ من الجواري بإعداد كل ما يلزم لتأسيس شبكة عنكبوتية متكاملة الأهداف تحت إشراف شهرزاد.
وانخرط الشعب بلعبة الإنترنت، وبدأت الصفحات الاجتماعية والإخبارية والثقافية تأخذ الكثير الكثير من أوقات الشعب والحُكام أيضاً.
وهكذا... بدأت شهرزاد تنشر حكاياتها على مدونتها الخاصة "كان ياما كان"، فيما توَّلت وكالة "قيل وقال" بث الأخبار السياسية من جميع أنحاء العالم، وتسلمتْ الجارية زمردة موقع "فرفشة" لإرسال آلاف ايميلات الضحك والترفيه والتهريج يومياً، أما دنيازاد شقيقة شهرزاد فقد أسست موقعاً للموضة خاص بجمال الجواري وزينتهنَّ.
ألحت شهرزاد على موضوع تعيين سكرتيرة خاصة لشهريار، قبِل هذا الأخير بتعيين قمر الزمان سكرتيرة شخصية له، تشرف على غربلة ما يجب على شهريار متابعته على الشبكة، كما تتولى مراقبته عن كثبٍ لنقل كل مستجدات حياته إلى شهرزاد أولاً بأول، خاصة فيما يتعلق بالمراسلات الخاصة التي ترده على ايميله وعلى الخاص في "التويتر والفايسبوك".

أصبح العالم قرية كونية أمام أنظار أميركا وأذنابها، مما أتاح لإدارة البيت الأبيض أن تكتشف أنه في دولة "فرفشستان" يعيش شعب على المحبة والألفة، وخاصة على الوطنية بشأن قضية فلسطين المحتلة. لذا أصدر الأسود المخبول حاكم البيت الأبيض أمراً لمعاونيه يقضي بتحويل دولة "فرفشستان" إلى دولة "فرفرستان" والعمل بجميع الوسائل كي يعم الرعب في هذه الدولة ليفرَّ شعبها متخلياً عن حاكمه.
فبدأت وكالة "ناسا الفضائية" بإرسال رسائل من المريخ إلى شعب "فرفشستان" تحرضه فيها على الثورة ضد شهريار النازي الذي يأخذ منهم أكبر الضرائب كي يكون لشهرزاد والجواري أفضل حياة.
نجحت مساعي البيت الأبيض، وانقلبت حياة شهريار وشهرزاد رأساً على عقب، فالشعب ثار عليهما، وأصبح ينادي بالحرية والعدالة و... "إسقاط النظام"... وأيضاً "إسقاط المدام"! بعد أن علم أن شهريار كان يستوحي حُكمه طوال هذه العقود من حكايات شهرزاد.
وقتها تدخلتْ وكالة الاستخبارات الأميركية وأرسلت مبعوثاً لشهريار يعرض عليه المساعدة لإخماد الثورة واستعادة الحكم. والمساعدة- كما نعلم- كانت تهديد مبطن له بأنه في حال لم يذعن لمطالبهم فسوف يحاكمونه بتهمة ارتكاب مجازر جماعية بحق النساء وبتهمة امتلاك قبيلة من الجواري، وذلكَ بمباركة ومساعدة جمعية حقوق الإنسان وحقوق المرأة. فيما هددوا بمحاكمة شهرزاد بتهمة نهب خزينة الدولة وزيادة الضرائب بهدف شراء أطنان من الملابس والمجوهرات.
أما ثمن السكوت عن كل ذلكَ، فكان أن تعمل شهرزاد على بثّ روح المحبة لليهود في حكاياتها.
وافق شهريار وأذعنت شهرزاد... وثار مسرور وانشق عن مولاه شهريار، وتزَّعم منظمة ثورية أسماها "مش مسرور وغضبان"، كانت دنيازاد أول المنضمات لها، لأنها تغار من شهرة شهرزاد.
وانقلبت الحال في دولة "فرفشستان"، وساد البغض بين الرعية، والحكايات أصبحت أخبار المجازر والانفجارات.

... ومرت الأعوام ولون حاكم البيت الأبيض يتغير لكن السياسة واحدة... وهكذا استمر الحال على هذا الحال وأميركا تعتبر إسرائيل طفلتها المدللة ومنبت أعوانها زارعي الموت في كل مكان... وتستمر سوسة الصهيونية العالمية تنخر في عروش الحُكام.
وأدركَ شهرزاد ألف ليلة وليلة... وفجر أمتها لم يشرق بعد.








Images rights are reserved to their owners






                                                                   


















                                                                  





















No comments:

Post a Comment