معًا في المدرسة. معًا في الجامعة. لم تفترقا أبدًا. منزلاهما متقابلان في الطابق الخامس، كنت أسكن في الطابق الرابع، وأشهد تطوّر صداقتهما عام يليه عام.
تربطني بهما صداقة جميلة رغم فارق السن، فأنا أستاذة جامعية وكاتبة. لم أتزوج، لذا فطالما اعتبرتهما ابنتيّ، أحضنهما في منزلي بحب الأم ودفئها.
تخرّجت الاثنتان معًا في كلية الحقوق والتحقتا بمكتب محاماةٍ يملكه صديق والد أحلام، لتتدرّجا هناك، بينما تكملان دراسة الماجستير.
سرعان ما تحكّم الحب بقلبِ أحلام، وتعلّقت أحلامها بشخص مازن، زميلها في مكتب المحاماة، وابن مالكه. لكنّ باسمة كانت تدعوها إلى التريث، فالارتباط ليس دعوة لشرب القهوة. وكنتُ من رأي باسمة.
ككل ليلة سبت، كانت الفتاتان تسهران عندي، ونحن ندردش لفت انتباهي شكل أظافر أحلام، كان طلاؤهما جميلاً جدًا. فأثنيتُ عليه. ابتسمت أحلام وهي تشكرني، ثم تابعت هذه الأظافر تعويذة حماية لي من غضب مازن... وضحكت!
كنتُ أنا وباسمة ننظر إليها بتساؤل، نظرت إلينا وأجابت ببراءة: أمزح معكما والله... لكنني تذكّرْتُ أن مازن عندما رأى أظافري وأناملي الصغيرة، قبَّل يدي وقال "كلما رأيتُ يديكِ الصغيرتين سألتُ نفسي، هل تحتمل رهافتهما... ضرباتي". وضحكت.
لم نضحك أنا وباسمة، بل وجمنا وكأن الطير على رأسينا. سكتت أحلام وأجابت: ما الأمر؟ إنه مزاحٌ والله، كنّا أنا ومازن نضحك.
أجابت باسمة بغضبٍ مكبوت: ليس الأمر مضحكًا، فهذه ليست نكتة. وأنتِ يجب أن تنتبهي لكلامه جيدًا، يقول أحيانًا كلامًا غير مريح.
وجمت أحلام وقالت: لا تعظّمي الأمور، الرجل يمزح وهو لا يعني ما يقول.
لاحظتُ أن الجو توتر قليلاً، شغَّلتُ موسيقى راقصة وقلت: هيا... تعالا أريد أن أرقص.
لاحظتُ أن الجو توتر قليلاً، شغَّلتُ موسيقى راقصة وقلت: هيا... تعالا أريد أن أرقص.
عُقِدت خطوبة أحلام على مازن، في جو عائلي بسيط، وكانت فرحة العائلتين كبيرة جدًا.
بعد خطوبة أحلام، كانت باسمة تزورني أحيانًا وحدها، نثرثر ونتناقش في مسائل الدراسة والقانون. وكثيراً ما تردّد "خائفة على أحلام، يبدو أن مازن عصبي جدًا، وسرعان ما يثور على أتفه الأسباب".
بعد خطوبة أحلام، كانت باسمة تزورني أحيانًا وحدها، نثرثر ونتناقش في مسائل الدراسة والقانون. وكثيراً ما تردّد "خائفة على أحلام، يبدو أن مازن عصبي جدًا، وسرعان ما يثور على أتفه الأسباب".
أحاول أن أهدّئ من روعها مع أنني مثلها قلقة.
ذات ليلة عاصفة، والمطر كشلالٍ، سمعتُ طرقًا على بابي. كانت باسمة وأحلام تتشاجران. أدخلتهما وأغلقتُ الباب قبل أن يسمع أحد أصواتنا. أجلستهما وقلت بحزم: ما الأمر؟ لماذا تتشاجران؟
حاولت أحلام أن تتكلّم فأسكتتها باسمة وقالت: غضب الأستاذ مازن منها اليوم في المكتب، فدفعها وسقطت على الكرسي.
نظرتُ إلى أحلام، فقالت بسرعة: والله كانت دفعة عفوية، لقد أخطأتُ في كتابة المذكّرة التي طلبها مني.
واستمر النقاش حتى ساعةٍ متأخرة من الليل. كنتُ أوافق باسمة على آرائها، فالتريث واجبٌ وحتمي.
ولكن!...

ذُهلت أحلام، وعندما حاولت أن تدافع عن صديقتها، هدّدها بأنه سيتركها إذا لم تقطع علاقتها بها.
وهكذا فُصمت عرى صداقةٍ ربطت روحًا واحدة قُسمتْ في جسدين.
كانت باسمة تبكي دائمًا، وأحلام تتواصل معها من دون عِلم مازن. وأنا حائرة بين الثلاثة، خاصة أن والدة أحلام كانت تريدها أن تسمع كلام خطيبها وألّا تعصي له أمرًا.
بعد نحو شهر على فصل باسمة من مكتب المحاماة، كنا معًا ذات مساءٍ نحتسي القهوة، وكانت تبكي قهرًا لأن زفاف أحلام أصبح قريبًا وهي ممنوعة من حضوره.
سمعنا طرقًا على الباب، فقلت: لعلها أمكِ قد لحقت بك... امسحي دموعك.
فتحتُ الباب وذهلت لهول المنظر! أحلام باكية في الباب ووجهها ينزف.
ادّعى مازن أمام القاضي الشرعي، بأنه كان متوترًا جدًا لأن أحلام كانت تصرخ في وجهه، وتتهمه برجولته لأنه يمنعها من دعوة صديقتها الغيور إلى الزفاف، فصفعها بهدف إخافتها.
أما أحلام فقالت: أنا المخطئة منذ البداية... لم أكن أريد أن أرى عنجهيّته وتسلّطه، وعنفه المتخفّي تحت بذلة وربطة عنق.
Images
rights
1- Drawings
2-Chiara Bautista
3- by John Holcroft
4-Rose Freymuth-Frazier
No comments:
Post a Comment