منى


كنتَ كاذبًا في صدقك، وفي كذبك كنتَ بارعًا مبدعًا.
يوم دخلتُ إلى استديو التصوير الخاص بك لأحصل على صورٍ شخصية لي بـ"اللوك الجديد"، صعقتني الطيبة في وجهك. أيها المصور البارع، كم كنتُ مأخوذةً بكلامك المعسول وكيف يزرع البسمة على وجه من يقف خلف عدسات كاميراتك.
بلحظاتٍ فهمتَ معاناتي، قلتَ "الحزن في أعماق عينيكِ له حكاية. "
فأخبرتكَ أنني مطعونة من أبٍ يمارس الكذب عليَّ. بدايةً أخبرني أنه يحب أمي، وكنتُ أعرف أنه قتلها بأنانيته! ثم أخبرني أنه لن يتخلى عني، لكنه تزوج وأتى بخالة إلى المنزل تنغص عليَّ عيشي. قال إنه سيعتني بي، لكنه رماني في مصحة للأمراض النفسية!
حاول المستحيل لأجل أن أوقع له على وكالة تمنحه حق التصرف في إرثي من والدتي، الشيء الوحيد الذي بقي لي منها، بعد أن أخفت زوجته الجديدة معالم والدتي وآثارها من المنزل، فمزقت صور أمي ولم تترك لي صورة واحدة لها.
تعاطفتَ معي... والدموع كادت أن تنفر من عينيكَ وقتها... فعشقتك!
كنت صورة مختلفة عن أبي، أنتَ تماثله في العمر، لكنك كنت صادقًا وشفافًا وأكثر حنانًا وحبًا منه.

أصبحت تدعوني للخروج معك، كنا نتناول الغداء في مكان والعشاء في آخر، فتعلقتُ بك.
شهورٌ مرت على علاقتنا، وتعلقي بك يشتد يومًا بعد يوم، إلى أن شاركتَ أبي بمؤامرته الدنيئة!... فهل تذكرها؟
وهل تذكر خدعتك الكبيرة؟ قلتُ لكَ "أريد أن أستأذن زوجتك كي أتزوج بك، فأنا لهذه الدرجة صادقة مع نفسي."
فأخذتني إلى منزلكَ... التقيتُ بزوجتكَ، كانت غاية في اللطف معي! فقررتُ أن أكون صديقتها لا ضرتها.

حاول والدي، وللمرة الألف، أن يجعلني أوقع له على أوراق إرثي من والدتي، بعد أن أقنع جميع أفراد عائلتي بأنني مريضة نفسياً وأحتاج لعلاج طويل في المصحة.
رفضت، قاومت، زعقت وكسرت كل ما وصلت إليه يداي يومها. حاول أبي وأفراد عائلتي المجتمعون عندنا أن يجعلوني أهدأ... فدخلتُ غرفتي ثائرة ورفضت فتح الباب لأحدٍ سواك. أجل، طلبت من أبي أن يحضرك.

أتيت بعد إلحاح من عائلتي، أخذتني معك، جبنا شوارع بيروت بالسيارة ونحن نتحدث، أخبرتكَ أنني لا أريد أن أعود إلى المنزل، طلبتُ منك أن تتزوجني فورًا!...
أحسستُ بخدرٍ في رأسي و....!
وفجأة وجدتُ نفسي في مصحة الأمراض النفسية، أعارك رجالاً يريدون تقييدي.
أنتَ تخليت عني بعد أن ساعدت والدي بمؤامرته وأوصلتماني إلى المصحة!
ضربتُ جهاز التمريض كله، خدشت أيديهم ووجوههم فسالت منها الدماء، وهربت.
لكنهم أعادوني عنوةً ومقيدةً إلى المصحة.

كنتُ مريضة نفسيًا... صحيح. حقيقة لن أنكرها بعد الآن. فكلنا معرضون للمرض، وأول خطوة نحو العلاج هي الاعتراف بالمرض، وهذا ما ساعدني على فهمه طبيبي الخاص.
اختفيتما أنتَ وأبي تمامًا وأنا في المصحة، لم أرَ أيًا منكما يزورني أو يتكرم عليَّ بمكالمة هاتفية.

خرجتُ من المصحة، وعدتُ إلى منزل والدي الكاذب، فوجدتك قد سكنتَ منزلاً في المبنى المقابل لمنزلي تمامًا، وزوجتكَ هي غير تلك الزوجة التي سبق أن عرفتني بها!
إذن كذبت عليَّ! لم تعرفني إلى زوجتك! والله وحده يعلم من كانت تلك المرأة التي عرفتني إليها.

أثناء علاجي فهمتُ أشياء كثيرة، وأمورًا كانت غائبة عن ذهني المريض تمامًا. لعلك أشفقتَ عليَّ بعد أن علمتَ أنني مريضة، لكنك لم تحبني. صدقًا، لم تحبني كأنثى، بل أشفقتَ على صباي المتهالك تحت عجلة المرض النفسي. أما أنا فلعلني أحببتكَ حقًا، لكنك كنتَ بالنسبة لي تعويضًا صادقًا عن أبي، وكنتَ كاذبًا تمامًا كأبي!
وهكذا تكون قد اختصرت عمر الحب... بطعنتين... وشوكة في حلق الغياب.







Images rights are reserved to their owners







































No comments:

Post a Comment