ناريمان والثماني بنات


لعل كلمة "منكوشة" تجلس على الناصية، مستاءة... لأن ناريمان يُطلق عليها هذا اللقب!
منذ أن سكنتُ هذا الحي الشعبي، وأنا أراها في جميع المناسبات شعثاء الشعر، تسير كالبطة ووراءها فراخها.
كانت ناريمان دائمًا حاملًا، فما إن ينزل -أو الأصح أن نقول- تنزل عن يدها رضيعة حتى تكون حاملًا في الأخرى.

يوم أنجبتُ طفلي الأول، كانت بنات ناريمان قد أصبحن ستة بعيون الشيطان.
عندما بدأت ابنتها رقم ستةُ بالمشي، كانت ناريمان حاملًا!

كان زوجها -أبو البنات- يُقسم أيمانًا مغلظة بأنها، إذا أنجبت فتاة هذه المرة، فسوف يطلقها ويهجّ* من البلد.
لذا... كانت مهمة والدته خلال أشهر حمل ناريمان أن تهدئ من روعه، وتقنعه بأن الله يفعل ما يريد، وأن الاعتراض على عطاء الله كفر.

يوم بلغ حمل ناريمان شهره السابع، سألها زوجها عن جنس المولود، فقالت "تقول الدكتورة إن الجنين يجلس بطريقة تجعل رؤية جنسه متعثرة".
وكان هذا جوابها كلما سألها، خلال الشهور المتبقية. وكان هو يصدقها ويضرب كفًا بكف قائلاً "لعله خير... لعله خير".


حان موعد ولادة ناريمان، نُقلت إلى المستشفى، رافقتها شقيقاتها وشقيقات زوجها، أما حماتها فبقيت في المنزل مع البنات، بعد أن أصرت على ابنها أن يذهب إلى عمله ولا يشغل باله بقضايا النساء.

قبل نهاية الدوام، اتصلت به والدته، فسألها متلهفًا "هل ولدَت؟ ماذا أنجبت؟".
أجابت والدته "تعال إلى المنزل... لا تذهب إلى المستشفى".
بهت وسأل "لماذا!؟"
أجابت والدته "افعل كما أقول لك... أنتظرك ولا تتأخر".


وصل إلى المنزل متوجسًا، كان يحدث نفسه طوال الطريق "هل حدث مكروه لناريمان؟ هل أنجبت فتاة؟ هل حدث مكروه للمولود؟".
وأخذت الهواجس تمرجحه إلى أن وصل إلى البيت.

أجلسته والدته وقالت "يا ولدي، قدّر الله عليك فاشكره وأحمده".
صرخ "هل مات المولود؟".
أجابت والدته "لا... فالمولود والوالدة بخير".
تنفس الصعداء وقال "إذن!... ".
أجابت بسرعة "صراحة يا ولدي، لقد أنجبت ناريمان توأمًا... بنتين".
وقف كمن صعقه تيار كهربائي، وقبل أن يقول شيئًا، صرخت والدته "إياك أن تكفر بنعمة الله... حلفت عليها بالطلاق وها أن الله عاقبك بأن أرسل لك توأم".

ركع على الأرض ورفع يديه للسماء وقال "أستغفرك ربي وأتوب إليك".
لعله رددها مئة مرة، أو ألف مرة، لكنه رددها إلى أن أنهكه التعب، فارتمى على الأرض ونام نومًا عميقًا.




*يهجّ كلمة لبنانية عامية تعني أن يرحل دون أن يترك عنوانًا له.




Images No1+3 rights are reserved to their owners