صاحب الطيف الأجمل...
الغائبُ/ الحاضر... الذي هو في غيابه أكثرُ حضورًا في روحي من الجميع.
هل تذكر؟...
أخبرتكَ في الرسالةِ السابقةِ أنها ستكونُ آخرَ رسائلي إليكَ...
لكن شبحَ الحنينِ يا رفيقي، تحوّل إلى جدةٍ عجوزٍ، تخبرُ صِبايا حكاياتٍ عن زمنٍ جميلٍ أضعته... بسبب مكرِ القدرِ... وغبائي!
يومَ رحلتُ معهم، وأنا أحملكَ جنينًا في روحي، لم أكن أحسبُ أنني سأنجبه بعد أن أكونَ قد توغّلتُ في كهولتي!
فهل خطرَ لكَ، يومَ مارستَ نزق مراهقتكَ عليَّ، أنني سأحملُ جنينَ ذكراكَ وأنا أخطو وحيدةً نحو سنواتي العجاف؟
هل توجعكَ الذكرى مثلِي؟... أم تضحككَ شقاوةُ "الولدنة" يوم راودتَ "بنوتةً صغيرةً" عن نفسها، وجعلتها تسرقُ من رقابة الأهل هنيهاتٍ لتقابلكَ فيها في الزقاق الخلفي؟...
لتكونَ النتيجةُ اسمينِ من دونِ كنيةٍ، وفراقٌ على لا وعد بلقاء!
عزيزي آدم...
هو قدرٌ مجنونٌ لا شك، رغمَ حكمته، تقول أمي إن القدرَ سوف يوضحُ ألغازَ الزمن، وسيعرفُ كلُّ إنسانٍ في النهايةِ المغزى والحكمةَ من كلِّ ما تعرّض له. فأخبرني أرجوكَ... باسم الإنسانيةِ أرجوكَ... أخبرني ما الحكمةُ من أن نلتقي برهةً، لنتوه بعدها عن بعضنا عقودٌ ثلاثٌ، ثمّ تومضَ فجأةً في ذاكرتي كأوجعِ ذكرى يمكن أن تعود إلى امرأةٍ شرقيةٍ، تقيّدها الأعرافُ والتقاليد.
عزيزي آدم...
دعني أخبركَ كيف أصبحتْ "فتاتكَ الصغيرة".
عشتُ في وطني... أنثى من ورقٍ وأرقٍ، ما زالت نقمتُها على الحربِ تتفاقم، بعددِ النكباتِ التي تسبب بها أمراءُ الحرب الذين نصبوا أنفسَهم حكّامًا علينا، ليسوقونا كأغنامِ الراعي الكذاب، يرعون العشبَ اليابسَ في براري الوطن، يهتفون باسمِ الراعي، ولا يتنبهون لاتفاقياته مع الذئب!
فهل أنت منهم؟!... أم أنك مثلي كافرٌ بهم لا تؤمنُ إلا بربٍ "يُمهلُ ولا يُهمل"
لكنه "طويلُ البال" مع أمةٍ "مجعلكةٍ" لا ترى أبعدَ من أنفها المزكوم عن روائح فسادهم!
يااااااااااه... ما أوجع أن تكون إنسانًا من ورقٍ وأرق!
تنتمي إلى فصيلةٍ تكره الأقفاصَ والأصفاد، في جعبتها سهامُ غضبٍ تودُّ لو توجهها إلى صدورِ حكّامٍ ما زالوا منذ قابيل يتوالدون من بطونِ الرذيلة،
يسابقون الشيطان إلى جحيمِ الخلود.
هكذا وُلِدتْ... هكذا عشتْ...
أرضعتني أمي مع الحليبِ حبرَ المعرفة، ونسجت لي الأبجديةَ شالَ غوى أضعه على كتفيَّ في ليالي البرد، لعلّي أستدفئ من صقيع غربتي في مجتمعٍ أتكلّم لغته، لكنه لا يفهمني!...
مكتبتي سريري، أعلق النوم على ستائره، وأجوب العالم على متنِ طائراتي الورقية.
أشتعل غضبًا من أجل القضايا الكبرى، أنحاز للمهمشين... للمهشمين... للمسحوقين تحت نيرِ تسلط أراذلِ الحُكَّام... في أوطانٍ تأنّ وجعًا من موت الضمير.
وهكذا مرَّ العمر... تتساقط مني الحروفُ راسمةً دربًا من أشواك المعرفةِ وأشواق الأدب، فرسمني هذا الأخير حكايةً تجدها في سياق السرد. اليوم... وأنا في خَمْسِينَ من الآلام، ما زلتُ أَنتظرك... وسأبقى!...
فيا عزيزي آدم...
يا صاحبَ الطيفِ الأجمل...
يـــــــــا آدم (ي)... أَنتظرك...
وإلى أن نلتقي...
أطلق سراحَ طيفكَ، لعلي ألقاهُ على قارعةِ صدفةٍ، فأخبره سرَّ الوصول إليَّ.
Images rights are reserved to their
owners