يعطيكَ شكلي إيحاءً بأنني صغيرةٌ جدًّا، لكنني في الثامنةَ عشرةَ من عمري، لذا فقد قرَّرتُ أنني منذ هذا اليوم تحديدًا، يومي الجامعيِّ الأوّل، أن أبدأَ باستخدامِ أدواتِ الزينةِ، وأن أضعَ "ميك آب" على وجهي، ليمنحني شكلًا أنثويًّا يافعًا.
يا إلهي... أنا في الجامعةِ، قلبي ينبضُ بقوّةٍ، ويدايَ رطبتانِ.
فجأةً، ظهرت أمامي أنثى مختلفةٌ ـ ستصبح صديقتي المقرَّبةَ ـ قالت وهي تمدُّ يدها لي: زكية...
بادلتُها الابتسامةَ وصافحتُها وقلتُ: ورد...
ضحكت وقالت: مذهلة... شيءٌ ما فيكِ مختلفٌ... أحببتُكِ يا بنتُ.
ابتسمتُ بخجلٍ، فقد راقني أن أَلفتَ الأنظار، أنا البنتُ الصغيرة التي لم يُعرها أحدٌ أيَّ اهتمامٍ، فالكلُّ يعتبرني طفلةً، نظرًا لشبهي بشخصياتِ الرسومِ المتحركةِ!
وكانت زكيةُ نموذجًا للأنثى الواثقةِ بنفسِها، الناضجةِ بما يكفي لتفهمَ الناسَ من نظرةٍ، فهي تكبرني بحوالي عشرة أعوامٍ، ولا بدَّ أنها مرَّت بالكثيرِ من التجاربِ، وهذا ما يجعل منها امرأةً مذهلةً في كلِّ تفاصيلِها.
سأحدِّثكم عن صداقتي بزكيةَ التي اختفت فجأةً من حياتي، كما ظهرت فجأةً!
لكنني سأحدثكم أيضًا عن "حبيب"، أشهرِ شابٍّ في الجامعةِ، سارقِ قلوبِ الصبايا... وقلبي.
كان قلبي يقع أرضًا، كلما نظر إليَّ، فأدوسه وأتعثر به!
أجل... أجل... كما توقعتُم تمامًا، أغرمتُ به، وكنتُ أنتظر اليوم الذي سيقترب فيه مني... و... لا أدري... كانت هذه أحلامي. مع أنه كان على وشكِ التخرُّج، وهو جميلٌ جدًّا، وواثقٌ بنفسهِ جدًّا جدًّا.
بعكسي أنا... بنتٌ صغيرةٌ لا شأنَ لها، أقلُّ من عاديةٍ، لم تلفت الأنظار يومًا، مبتدئةٌ في كل شيءٍ... وسرعان ما أفقد صوتي في المناقشات الصفية، عندما يحضر حبيبٌ لحضور محاضراتٍ معنا، بحجة أن "الدكتور غائب". فيضحك الدكتور المحاضر ويقول له "حسنًا ادخل... واسترجع ذكرياتكَ في سنةٍ أولى".
يجلس ورائي دائمًا... فأحمرُّ كلِّي... وأفقد صوتي.
وأسمع ضحكتَهُ عندما ينهرني الدكتور ويقول "بنت يا ورد... هل أكل القطُّ لسانكِ... أنتِ عادةً لا تكفين عن السؤالِ والمناقشة".
طبعًا... فأنا مرتبكةٌ بسبب حضورِ حبيبٍ.
كما أنني لا أملك ثقةَ نُهى التي تشبكُ يدها بيدِ "حبيب" في الكافيتيريا، وتطلبُ منه أن يدعوها إلى فنجان قهوة. يا إلهي، كم كرهتها...
... هكذا مضى العامُ الدراسيُّ الأول، هو يتأملني... أنا أحلم به... ونُهى تحاصره.
ها قد وصلنا إلى يومنا الأخير في عامنا الدراسيِّ، قبل عطلةِ الامتحانات.
"يا إلهي!... زكية، لن أراه لمدةِ شهر؟!"
ربتت زكية على كتفي وقالت "للهِ الأمرُ من قبلُ ومن بعدُ... ماذا أفعل يا حبيبتي؟ أنتِ خجولةٌ، وهو... لا أدري... لا أفهمُ تصرفاتِه، عندما يتأملكِ هكذا، أعتقد أنه مغرمٌ بكِ... لكن! لماذا لا يكلمكِ... لا أعرف".
بعد ساعاتٍ في قاعاتِ المحاضراتِ، مراجعاتٍ... وأبحاثٍ... أحسستُ بصداعٍ، وكنتُ حقًّا بحاجةٍ إلى فنجانٍ من القهوة.
دخلتُ إلى الكافيتيريا وزكية ورائي...
فجأةً!... قام حبيبٌ عن كرسيِّه واتجه ناحيتَنا!
لم أستوعب ما يجري، هل حبيبٌ يمسح وجهي بمحرمةٍ رطبةٍ؟!
نظر إليَّ وابتسم وقال: هكذا أفضل... فالميك آَب لا يليقُ بوجهكِ الطفوليِّ.
اندهشتُ وخجلتُ ولم أدرِ ما أقول... فجلجلت ضحكةُ زكية وهي تقول له: يخرب بيتك، أخيرًا....
ضحك وقال: تعيقني طفولتُها والله.
غمزت زكية بعينها وقالت: تشجع... سأدربها لك.
فقال: الله يستر.
وضحك الاثنان وأنا بينهما كالبلهاء لا أفقه شيئًا.
لا، لن أخبركم ما جرى بعدها... فهذا ليس من شأنكم.
Images rights are reserved to their
owners