رفض


كان العريس المتقدم لطلب يدي، من النوع المتحذلق. يعتبر أن تعليم البنات أمر لا جدوى منه، فمكانهنَّ بيت الزوجية!

رفضته طبعاً... 
فوصمني المجتمع بتهمة "متفلسفة" وألقوا اللوم على أمي لأنها لم تزوجني عندما كنتُ صغيرة.





  


Image rights are reserved to the owner


جنونٌ عَبَر


إنكِ تنتمين إليّ، وقد جعلتكِ ملكي، فأنا لا أظن أن ثمة امرأة، حتى في عالم الحكايات الأسطورية، قد حُورِبَ من أجلها كما حاربتُ من أجلكِ في داخلي.
فرانز كافكا


هزّتني هذه المقولة لكافكا، فكم تشبه حالي معكِ، بل كم تشبه حرب روحي لأجلكِ.
أعشقكِ... لعلها كلمة قليلة على ما أشعر به نحوكِ. أنا طبيب جراحة الدماغ الذي ما اهتز يوماً أمام امرأة.
رأيتكِ ترقصين في فرقة زفّة في أحد الأعراس، سحرني رقصكِ، وعرفتُ أنكِ مديرة الفرقة. بحثتُ عنكِ، عرفتكِ... أحببتكِ... لاحقتكِ... وجعلتكِ صديقتي!

حار الرفاق في أمري، فأجمل وأشهر نساء العالم ما استطعن أن يلفتن انتباهي، فماذا في "رقّاصة"!؟ كان الرفاق يقولون إنني بالتأكيد بحاجة إلى شيء من التفاهة في حياتي وسط هذا الكم من التعقيد من حولي، لكنني كنتُ أصرّ على أني... أحبكِ.

دعاني يوماً صديقي طبيب الأمراض النفسية أن أزور معه مبنى إصلاحية الأحداث بحجة معاينة شاب يافع يعاني من صداع عنيف تتبعه، فذهبتُ معه لمعاينة الشاب، وسمعتُ هناك أغرب حكاية!
والدة الشاب كانت خادمة في منزل طبيب، أنجبت ابنها على الرصيف بعد أن رفضت عائلة الطبيب الاعتراف بالطفل، وكان الطبيب قد توفي قبل أن يعلم عن ابنه شيئاً. فنشأ الولد في حواري العاصمة الفقيرة، على الرذيلة والجريمة، وقد ارتكب جريمة قتل وهو لم يبلغ الخامسة عشرة من عمره بعد!
نظر إليّ صديقي طبيب الأمراض النفسية وقال "لا يمكن لأم جاهلة أن تربي تربية أفضل، حتى لو كان الوالد طبيباً."


عدتُ إلى منزلي وأنا أصارع شيطان حبكِ في روحي، كم أحسستكِ بعيدة عن عالمي في تلك الأيام. فماذا لو تزوجتكِ وأنجبتِ فتاة!؟ هل ستعلّمينها الرقص!؟ أم سيكون ولدي طبّالاً!؟ ماذا لو متُّ في حادث قبل أن أرى ولدي؟ كيف ستربينه!؟
العلم؟... هل تعرفين أهمية العلم في حياتنا؟ أنتِ التي تعتبرين الدراسة صداعاً و"وجع رأس على الفاضي". لطالما أضحكتني عبارتكِ وكنتُ أعتقدها خفة ظل منكِ، إلى أن رأيتُ الولد في إصلاحية الأحداث. أيمكن أن يكون ولدي في ذاك المكان!؟

شهور من الضياع عشتها، حرب ضروس خضتها... واتخذتُ قراري!
قتلتُ شيطانكِ في قلبي، خنقتُ عشقي لكِ، طردتكِ من حياتي، وأكملتُ طريقي...








Images rights are reserved to their owners




 


 

ما بتنتهي حماقات العشاق


زهرة... امرأة على أبواب الخمسين من عمرها، تقف عند النافذة تراقب أولى زخات المطر لهذا العام، تنهدت فرحة وقالت "الله يبعت الخير".
كان يوم أمس عقد قران ابنتها الكبرى مريم، وكان الحفل صاخبًا كجنون ابنتها و"خَوَت" صباها.

ابتسمت بمكر وهي تذكر صباحًا كهذا تمامًا حدث منذ أكثر من عشرين عامًا، يوم كان قد عقد قرانها على جابر والد مريم بعد قصة حب عنيفة. زارتهم صباح اليوم التالي رجاء، قريبة والدتها. وبعد السلامات والقبلات، طلبت رجاء فنجان قهوة من يد أم زهرة، لأنها أرادت أن تختلي بزهرة بحديث نسائي خاص. ضحكت أم زهرة وتركت الصالة لصنع القهوة.

أمسكت رجاء يد زهرة وقالت "اسمعي يا ابنتي... أريد أن أنصحك نصيحة أم لابنتها قبل أن تعود أمك، فتخجلين منها.
عندما كنتُ مخطوبة يا حبيبتي... سمحتُ وقتها لخطيبي أن يتلاعب بقلبي ليأخذني إلى السرير... وهكذا لم أشاهد حفل زفافي".
فوجئت زهرة وقالت "هل كنتِ مخطوبة، خالتي رجاء، قبل زواجك من عمي أبو حسام؟"
ابتسمت رجاء وأجابت "لا، لم أكن يومًا مرتبطة بغيره... لكنني لم أشاهد حفل زفافي بسبب أعراض الوحم!!".
احمر وجه زهرة وابتسمت، فأكملت رجاء "نعم، لكن كنتُ حاملاً يوم زفافي، أعاني من وهن الوحم، ولم أشاهد زفافي. لقد كنت بالكاد أقف على قدمي لأتلقى التهاني... ما أود أن أنصحك به هو أن تشاهدي زفافكِ يا حبيبتي... هل فهمتني يا زهرة؟"
ابتسمت زهرة بخجل وقالت "فهمتكِ، خالتي".

يا لها من ذكريات! ابتسمت زهرة مجددًا وهي تذكر كيف وضعها الهوى في أحضان جابر بعد عقد قرانهما، وكيف أنه أصر على أنه لا داعي لانتظار الزفاف، فهما زوجان على سنة الله ورسول. تبعت زهرة قلبها... وكان ما كان.
تنهدت بأسى "للأسف، لو أنني سمعت كلام رجاء قريبة أمي لما خسرتُ ذاك الطفل".
فزهرة، وبعد أن اكتشفت أنها حامل قبل زفافها ببضعة أيام، قررت ألا تخبر أحدًا، كما قررت أن تتماسك كي لا يكتشف أحد وهنها خلال حفل الزفاف.
تصرفت كعروس، رقصت... ورقصت... ورقصت... ولم تهدأ طوال الحفل.

تنهدت مجددًا وهي تبتسم بتواطؤ مع قدرها. تلك الليلة، وبنعمة من الله تعالى، لم تنزف إلا بعد أن أصبحت في منزلها مع عريسها، وحدهما... وهكذا خسرت طفلها الأول.

تنهدت بحرقة وهي تخاطب نفسها "يا إلهي، أعنّي... كيف أخبر ابنتي مريم كل ذلك، وكيف أقنعها ألا تُقدم عليه، لأنني أنا فعلاً نادمة منذ ذاك اليوم لأنني فعلتها وخسرت الجنين!"

تساقطت قطرات المطر على النافذة.
ابتسمت بثقة، عازمة على تنفيذ ما خططت طوال الليل لقوله لمريم.

استمعت مريم لأمها بتهذيب وخجل، لكنها كانت تنظر إلى ساعتها، ففي تمام الحادية عشرة لديها موعد مع طبيبة نسائية كي تستشيرها بشأن تناول حبوبٍ لمنع الحمل.










Images rights are reserved to their owners
















ابنة سندريلا


في تمام السادسة التقيا... ضفدعٌ وهي. أهدته قبلة فتحول إلى أمير.
في تمام الثامنة أقاما زفافهما. شربا الأنخاب... رقصا... احتفلا... ثملا بالفرحة.
في تمام العاشرة نقلهما سائقٌ أنيق إلى فندق الأحلام.

في تمام الثانية عشرة دقت ساعة القدر.
عاد الأمير إلى شكله الضفدعي، وتحول السائق إلى جرذ يدور في زوايا الكوخ الذي تحول إليه الفندق الفخم.
تحولت هي إلى ساحرة شريرة، ركبت المكنسة وأطلقت ضحكاتها المخيفة في أحلام الصبايا.




 



 Image rights are reserved to the owner

حكم عليَّ الهوى


رسالة إلى حفيدتي...
عُقد قراني على جدك وأنا في الرابعة عشرة من عمري، وقبل أن أتم الخامسة عشرة كنتُ قد أنجبتُ أول أبنائي. تخيلي الوضع: طفلة في الخامسة عشرة تحمل طفلاً لا يكف عن البكاء ولا ينام... وكرت السبحة، وأنجبتُ خمسة أبناء وأنا في النصف الأول من عشرينياتي.

كان زوجي كائنًا همجيًا، يضربني لسبب ولغير سبب، وكلما أخبرتُ أهلي أنني أريد طلب الطلاق، كانوا ينعتونني بأبشع النعوت ويعيدونني إليه، بحجة أنه الوحيد الملزم بتربية أبنائي الخمسة.
استكنت في منزلي غصبًا عني... أنهكت قواي الجسدية والروحية، وأصبتُ بحزنٍ يطلقون اليوم عليه مصطلح "الاكتئاب".

في المبنى المقابل لمنزلي، سكن شاب وسيم جدًا، لا بل جميل كيوسف. شغلني، لفت انتباهي، لاحقني، فوقعتُ في غرامه.
باختصار... ذات ليلة لا قمر فيها هجرتُ منزلي الزوجي، وتركتُ أطفالي الخمسة وهربتُ معه.

تبرأت مني عائلتي، طلقني زوجي، ونبذني الناس سنين عديدة.
أحببتُ حياتي الزوجية الجديدة مع حبيبي الجميل، الذي عشقته كما عشقت زليخة يوسف، دللني كملكة واعتنى بي كما لو كنتُ طفلته الصغيرة.

عشر سنواتٍ على زواجنا مضت كلمحة بصر. لم أندم يومًا على هربي معه، رغم اشتياقي القاتل لأبنائي. فقد وجدتُ فيه عزائي وفرحي وهناء عيشي.
لكن الموت عشقَه مثلي، بكيته سنوات وسنوات، وما زلتُ أبكيه حتى الآن في ليالي وحدتي. وها أنا الآن، كلما فاض فيَّ الشوق والحنين إليه، ألجأ إلى البحر لأدسّ دموع قلبي في أمواجه، فهذا ما علمني إياه زوجي الحبيب.
قال لي يومًا "خبئي دموعكِ في البحر، فوحدها الأمواج ستروي قصتكِ وستنصفكِ في النهاية."

بعد موت زوجي بعدة سنوات، حاولتُ أن أتواصل مع أبنائي، بعد أن استعدتُ حياتي شيئًا فشيئًا.
بدأت أعمل في الخياطة وأتعامل مع كبرى دور الأزياء. ومن منن الله عليَّ أن أحد أشقائي بادر لزيارتي، واضعًا حدًا لعداوة لا معنى لها.
قال "حسنًا، ارتكبتِ خطأً ودفعتِ ثمنه.. يكفيكِ ما حصل لكِ من موت زوجك وهجران أولادك ونبذ المجتمع لكِ."
عدتُ إلى كنف إخوتي، سامحوني جميعهم، أما أبنائي فلم يسامحوني. كانوا يزورونني لكنهم ما سامحوني، وبقيت قصة تركي لهم وهربي من والدهم جريمة تعاقبني عليها أعينهم.
قالت لي يومًا ابنتي/أمك "لا ألومكِ لأنكِ هجرتِ أبي، بل أحقد عليكِ لأنكِ تركتنا أطفالًا."

أمضيتُ هذا العمر أتساءل ما الذي فعلته، وكيف طاوعني قلبي على ترك خمسة أطفال لأعيش حياتي بعيدًا عنهم، لكنني كنتُ دائمًا أعزي نفسي بأن أبنائي قد عادوا إليَّ، وأن الهوى الذي عرفته في كنف زوجي الثاني وحبيبي الجميل ما كنتُ لأعرفه لو جبنتُ ورضيتُ بواقعي المرير.

واليوم حين أُسأل عن الندم أبتسم وأقول "لا أندم على العشق والهوى، لكنني أندم على تركي لأطفالي."

يا طفلتي، انهي تعليمك لتعي ما يحصل حولك.ولا تتزوجي إلا بعد أن يعصف في قلبكِ هوى حقيقي، وفي فكركِ يقين يقتلع جميع مخاوفك من جذورها.
والأهم... لا تتزوجي في سن صغيرة.

جدتكِ المحبة




 Images rights are reserved to their owners