ثقب في الذاكرة


 حلَّ المساء، لكنها لم تستطع أن تتذكر... شيء ما يثقل صدرها، أمرٌ مهم عن الليلة، لكنه يهرب من ذهنها كظل يختفي في الظلام. تتسارع الأفكار في رأسها، تساؤلات لا تنتهي: ماذا كان ذلك الأمر؟ هل هو بسيط أم مصيري؟ لماذا يرفض عقلها أن يفتح له الباب؟
شعرت بأن قلبها ينبض بقوة، كأنه يحاول الهروب من صدرها، ويداها ترتجفان رغم محاولتها السيطرة على نفسها. نظرت إلى هاتفها للمرة الخامسة، بحثًا عن رسالة أو تذكير، لكن الشاشة صامتة، لا شيء ينقذها من دوامة الحيرة.

ارتدت ملابسها بسرعة، كأنها تهرب من نفسها، وتعطرت، لكن رائحة العطر لم تخفف من ثقل القلق الذي يلتف حول صدرها. تزينت بالإكسسوارات، لكنها لم تشعر بجمالها، بل بثقل الذكرى التي لا تستطيع استدعاءها.
حملت هاتفها ومفاتيحها، كل حركة صغيرة تشعر بها كأنها تفقد السيطرة، كأنها تتلمس طريقها في عتمة كثيفة لا تعرف نهايتها. توصيات والدتها بالعودة باكرًا تتردد في أذنيها كصدى بعيد، ودعاؤها بأن يحفظها الله من كل سوء يختلط بالخوف الذي يعتصر قلبها.

وصلت إلى مدخل الفندق، مشوشة التفكير، كأن عقلها محاصر بين جدران من الضباب. اليوم زفاف صديقتها منى، لكنها لا تستطيع تذكر ما أخبرتها به منى عن الليلة، كأن كلمة معلقة في الهواء بلا جذور.
دخلت البهو، والأنظار تلاحقها، لكنها لم تشعر بها. اقترب شاب من الاستقبال، وعرض خدماته، فسألته عن الزفاف. تعجب وقال: لقد أُلغي الزفاف، ألم يخبرك أحد؟
اتصلت بمنى، وصوتها يرتجف من الدهشة، فتعجبت الأخيرة! فقد سبق وأخبرتها أن زفافها قد ألغي بسبب وفاة عم العريس فجأة.


عادت إلى المنزل مذهولة، والدموع تملأ عينيها، سألتها أمها بقلق ولهفة: ماذا حدث يا حبيبتي؟
أجابت بغصة: الأمر الذي لم أذكره... هو أن زفاف منى قد أُلغي!
دخلت غرفتها شاردة، ودموع والدتها تنهمر بحرقة "يا إلهي، ما حذرنا منه الطبيب صار حقيقة مريرة!"
ابنتها الحبيبة سمر، مصابة بنوع نادر من الأمراض، سببه حادث سير أثر في دماغها، ضربة عنيفة أدخلتها في غيبوبة طويلة. الطبيب أخبرهم أن علاجها النفسي يجب أن يكون دائمًا، فهي معرضة لفقدان الذاكرة، وحيرتها هذه الليلة كانت بداية لتلك الحقيقة المؤلمة.





 Image rights are reserved to the owner